للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُمْ: مَجَازٌ، إِنْ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُ الشَّارعِ لَهَا، فَهُوَ الْمُدَّعَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَهْلُ اللُّغَةِ، فَخِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهَا؛ وَلأَنَّهَا تُفْهَمُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، الْقَاضِي:

الشرح: وأما "قولهم"؛ بأننا سلمنا استعمال الشارع لهما، ولكن ذلك ليس دليلًا على الحقيقة، وإنما هو "مجاز"؛ لما بين الشرعي واللغوي من العَلَاقَةِ:

فجوابه من وجهين:

أحدهما: أن نقول: "إن أريد" بكونها مجازًا "استعمالُ الشَّارع لها"، أي: أن الشارع استعملها في هذه المَعَاني على سبيل التجوُّز، "فهو المدعَى"؛ إذ الحقيقة الشرعية مَجَازٌ لغويٌّ أشهر.

"وإن أريد" استعمالُ "أهل اللغة، فخلاف الظاهر؛ لأنهم لم يعرفُوها"، فكيف يستعملونها، واستعمال اللفظ في المعنَى فرعُ تعقُّله؟.

والثاني: المنع فلا نسلم أنها مجاز؛ وإليه أشار بقوله: "ولأنها" لو كانت مجازًا، لتوقَّف فَهْمُهَا على القَرِينَةِ، لكنها "تفهم بغير قَرِينَةٍ"، وتبادرُ الفهمِ دليلُ الحقيقة.

ولقائل أن يقول على الأول: قولكم: إن أريد استعمالُ الشَّارع، فهو المدعَى - ماذا تريدون (١) باستعماله؟ إن أردتم مجرد الاستعمال، فليس هو المدعَى، وإن أردتم الاستعمال مع الوَضْع الشرعي، فممنوع (٢)؛ وأيضًا فالنبي سيّد أهل اللغة، واستعماله استعمال أهل اللُّغة، ففيم الترديد؟

وقولكم: وإن كان أريد أهلُ اللغة، فخلاف الظَّاهر؛ لأنهم لم يعرفوها - فيه نظر؛ لأنكم جزمتم بأن أهل اللُّغَةِ لم يعرفوها؛ واستدللتم بذلك على أن استعمالهم لها خلاف الظَّاهر، وكيف يكون الدَّليل مجزومًا به، والمدلولُ خلافُ الظاهر؛ ولا بد من تَسَاوِي الدَّليل والمَدْلُولِ في القطع والظَّن.

وعلى الثاني: لم قلتم: إن تبادر الفَهْمِ علامةُ الحقيقة، وقد تبادر المجاز الرَّاجح.


(١) في ت: يريدون.
(٢) في حاشية ج: قوله: "فممنوع" قد يقال: دليل الوضع الاستعمال.
وقوله: "فاستعماله … " إلخ. قد يقال: إن استعملها فيما لم يعرفه أهل اللغة.
وقوله: "وكيف يكون … " إلخ قد يقال: اكتفى بمخالفة الظاهر؛ لكفايتها في المطلوب.
قوله: "لأنه قد يتبادر … " الخ قد يقال: إن هذا التبادر منشؤه كثرة الاستعمال مع القرينة، بخلاف تبادر الحقيقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>