للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: الْحَقَائِق، بدَلِيلِ: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ [سورة البقرة: الآية، ٣١]؛ قُلْنَا: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلَاءِ﴾ [سورة البقرة: الآية، ٣١] يُبَيِّنُ أَنَّ التَّعْلِيمَ لَهَا، وَالضَّمِيرَ لِلْمُسَمَّيَاتِ.

= نعم لك أن تقول: هي ظاهرة في أنه علمه، لكن لم قلتم: إن الوضع منه - تعالى - وجاز أن يكون الوضع من السَّابقين، ولسنا ندعي أن قبل آدم الجِنَّ والبِنَّ؛ فذلك لم يثبت عندنا، بل قال القاضي في (التقريب): جاز تواضعُ الملائكةِ المخلوقةِ قبله.

قال ابن القُشَيري: وقد كانوا قبله يتخاطبون ويفهمون؛ فالإنصافُ أن احتمال الإلهام خلافُ الظَّاهر، واحتمال تعليم ما سبق لا يخالفُ الظَّاهر؛ إذ ليس فيه إثباتُ ما ينفيه اللَّفظ، ولا نفيّ ما يثبته.

الشرح: "قالوا": لعلَّ الَّذي علمه آدمَ "الحقائقُ"؛ مثل: حقيقةُ الخيلِ كذا، والبقرِ كذا، وهي تصلحُ لكذا، وأطلق عليها الأسماء؛ "بدليلِ" قوله تعالى: " ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ [سورة البقرة: الآية، ٣١] "، ولو كان الضمير للأسماءْ، لقال: عرضها، أو عرضهنَّ.

"قلنا": ليس المقصود الحقائقَ، بل الألفاظَ؛ بدليل قوله تعالى: " ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاء هؤُلَاء﴾ [سورة البقرة: الآية، ٣١] "؛ فإِنَّه "يُبيِّن أن التعليم" كان "لها" - أي: الأسماء - "والضمير" في عرضهم "للمسمَّيات"، ولا مُنَافاة بينهما.


= حصول العلم، ولذلك يقال: علمته فلم يتعلم، وهذا أيضًا خلاف الظاهر؛ إذ الظاهر من التعليم الإِيجاد الأول للإلهام.
قال بعضهم: وأصل التعليل الإِثبات أثر الثلاثي المشتق، يقال: سودته فتسود، وقول الإمام: يقال: علمته فلم يتعلم، ممنوع.
قلت: وهذا المنع غير منقدح، وقد كان الإمام علاء الدين الباجي يقول: أو لم يصح: علمته فما تعلم لما صح: علمته فتعلم؛ لأنَّهُ إذا كان التعليم يقتضي الجاد العلم وهو علة فيه، فمعلوله وهو التعلم يوجد معه بناء على العلة مع المعلول، والفاء في قولنا: فتعلم تقتضي تعقيب التعلم، وإن قلنا: إن المعلول يتأخر فنقول: لا فائدة في قولنا: فتعلم لأن التعلم قد فهم من قولنا: علمته، فوضح أنه لو لم يصح: علمته فما تعلم لكان؛ أما ألا يصح: علمته فتعلم بناء على أن العلة مع المعلول، أو لا يكون في قولنا: فتعلم فائدة بناء على تأخر المعلول. فإن قلت: أليس أنه يقال: كسرته فما انكسر، فما وجه صحة قولنا مع ذلك: علمته فما تعلم؟
قلت: فرق والدي - أحسن الله إليه - بينهما بأن العلم في القلب من الله يتوقف على أمور من المعلم ومن المتعلم، وكان "علمته" موضوعًا للجزء الذي من المعلم فقط لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم، ولا بد بخلاف الكسر، فإن أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار. وهو جواب دقيق، والإنصاف أن هذه ظاهرة فيما ادعاه الشيخ. ينظر: الإبهاج ١/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>