ويوافقون المعتزلة في وجود تلك الصفتين - ويخالفونهم في استلزامهما حكمًا في الأفعال من وجوب وحرمة قبل البعثة، فلا يلزم عندهم من كون الفعل مصلحة أو مفسدة وحسنًا أو قبيحًا أن يكون لله فيه حكم قبل البعثة لأحد من الرسل بخلاف المتقدمين منهم فإنهم يوافقون المعتزلة في استلزام ذلك الأحكام في بعض الأفعال. هذا وإذا علمنا أن من عدا الأشاعرة من الحنفية عمومًا والمعتزلة قائلون بوجوب صلاحية الفعل المأمور به للأمر به قبله وصلاحية المنهي عنه للنهي عنه كذلك. وأن الأشاعرة قائلون بعدم وجوب شيء من ذلك مما تقدم سابقًا - علمنا أن الاختلاف في تلك المسألة مبني على الاختلاف في وجوب مراعاة الحكمة في جميع الأفعال التي تصدر عن الباري جل شأنه. أو بعبارة أخرى: علمنا أنه مبني على أنه هل لا بد في إقدام الفاعل جل شأنه على فعل ما من داع غير القدرة والإرادة يرجح جانب الفعل على جانب الترك أو ليس ذلك بمحتم؟. فلما قال بالأول المعتزلة والحنفية بنوا على ذلك مسألة التحسين والتقبيح، وقالوا: إن العقل قد يصل إلى إدراك حسن الفعل أو قبحه بإدراك ما فيه من مصلحة أو مفسدة. وقالت المعتزلة: إن الأحكام يجب أن تكون طبقًا لما أدركه العقل، وبنوا على مسألة التحسين والتقبيح وجوب مراعاة الصلاح والأصلح، ووجوب الثواب والعقاب والعوض عن الآلام إلخ ما قالوا، ولما قالت الأشاعرة بالثاني لما قام عدهم من الأدلة نفوا عقلية الحسن والقبح ورد إشكال انبنى على الخلاف في تلك المسألة أو بعبارة أخرى انبنى على موافقة الحنفية للمعتزلة في العقلية. وحاصله أنه إذا كان جميع الحنفية والمعتزلة متفقين على التسليم بعقلبة الحسن والقبح صح أن يقال بعدم الفرق بينهما في شيء من تلك المسألة أعني أنه لا يصح أن يقال من قبل الحنفية بعد استلزام ذلك للحكم في الكل أو في البعض. وبيان ذلك أنه إن أريد بالحكم الخطاب - أعني خطاب الله تعالى - فلا خطاب قبل ورود الشرع بالاتفاق، فلا يجيء قول المعتزلة إن الحكم ثابت قبل البعثة تبعًا لما في الأفعال من المصالح والمفاسد، وإن أريد به كون الفعل مناطًا للثواب والعقاب فبعد تسليم الحنفية بعقلية الحسن والقبح لا يتأتى لهم إنكاره مطلقًا بالنسبة لجماعة المتأخرين وفي البعض بالنسبة للماتريدية؛ فلا نزاع بينهما في الحقيقة إلا في اللفظ، فمن قال: يتعلق الحكم بالفعل قبل الشرع - أعني المعتزلة - أراد به المعنى الثاني، ومن نفاه فقد نفاه بالمعنى الأول. ودفع هذا الإشكال بأن الحكم المختلف فيه بينهما ليس بأحد المعنيين حتى يكون النزاع لفظيًا كما =