للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القائلين بقضايا العُقُول، وما لم يقْضِ.

والصحيح عند أصحابنا: أن الحكم مرتفع إذ ذاك، سواء كانت الأفعال ضرورية أم اختيارية، ولا عليك إن أشعرت عبارةُ الإمام الرازي بخلاف هذا، على أن لها محملًا صحيحًا ذكرناه في غير هذا المَكَانِ، وهذا لأن الحكم عندنا عبارة عن الخطاب، فحيث لا خطاب لا حُكْمَ، واستدلُّوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [سورة يونس: الآية ٥٩] فمن ادَّعى تحريم شيء، أو تحليله بغير إذنه، فقد افترى عليه.

واعلم أنه ربما عبَّر أصحابُ هذا القول المُخْتَار عن قولهم: بالوَقْفِ، وهي عبارة أكثر المتقدمين، ونقلت عن شيخنا أبي الحسن، وأبي بكر الصَّيرفي، وأبي بكر الفارسي وأبي علي الطبري (١).

ولا تحسبن (٢) أن المراد به التردد في أن الأمر ما هو؟ وإنما مرادهم به أن الحكم موقوف على ورود السمع مجزوم به قبل وروده، وهذا شأن كل موقوف في الوجود على غيره، فافهمه، وبه صرح القاضي في "التقريب"، وابن السَّمعاني، وغيرهما (٣).

وقالت المعتزلة: هذه الأشياء إما أن يقضي فيها العقل بشيء، فيتبع فيها حكمه. وإما ألَّا يقضي ففيها المذاهب المذكورة في الكتاب، وثالثها: لهم لا لنا الوقف.

ومرادهم به فيما أظن التردد، فلم يريدوا بالوَقْفِ ما نريده (٤) نحن، وقد تابعهم في كل قول من هذه الأقوال بعض فقهائنا ممن لم يعرف عود كلامهم.

والموضع الثاني: تفريعها على الأصل السابق، فيقول: ما لا يقضي العَقْل فيه بشيء فلا يتجه تعريفه على الأصل السَّابق، وهذا واضح لمن تَدَبّرَه؛ فإن الأصل السَّابق إنما هو حيث يقضي العقل، هل يتبع حكمه؟


(١) أبو علي الحسن بن القاسم الطبري، تفقه ببغداد على أبي علي بن أبي هريرة، ودرس بها بعده، وصنف كتابًا له يسمى الإفصاح، وأيضًا في الأصول والجدل والخلاف، وهو أول من صنف في الخلاف المجرد وكتابه فيه يسمى التحرير. مات سنة ٣٥٠. ينظر: طبقال ابن قاضي شهبة ١/ ١٢٧، النجوم الزاهرة ٣/ ٣٢٨، المنتظم ٧/ ٤.
(٢) في أ، ج، ح: فلا تحسبن.
(٣) ينظر مراجع صدر المسألة.
(٤) في ت: يريده.

<<  <  ج: ص:  >  >>