للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإنْ أَرَادِ الْوَاقِفُ أنَّهُ وَقَفَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، فَفَاسِدٌ.

الشرح: "إن أراد الواقفُ أنه وقف لتعارض الأدلة" فلم يدر الحق في أي طرف "ففاسد" لِمَا مر من بطلان الإباحة والتحريم، وإن أراد أن الحكم موقوف على ورود السَّمع ولا حكم في الحال فصحيح - وهو مذهبنا - وهذا ذكره الغَزَالِيُّ، وتبعه الآمدي والمصنف.

وإنما قال ذلك؛ لأن الواقفية منهم أصحابنا، ومنهم المعتزلة، ومراد أصحابنا بالوَقْفِ غير مُرَاد المعتزلة كما عرفت، وهذا كله فيما قبل الشَّرع مما لم يقض العقل فيه بحسن ولا قُبْح، أما ما له فيه قضاء، فقد عرفت أنهم قسموه إلى الخمسة، ولم يتكلم المصنف عليه، وعند هذا يظهر لك أن ما لا يقضي فيه العقل بشيء لا يكون فرعًا لمسالة الحسن والقبح؛ إذ هي مقصورة (١) على ما للعقل [فيه] (٢) قضاء، وإنما كان يتجه لو تكلموا فيما للعقل فيه قضاء، فكان في الحقيقة ليس فرعًا، بل هو عين المسألة كما ذكرناه.

ولو قيل: إذا كنتم مَعَاشر القَدَرِيَّةَ تتبعون العقول، وفرض مسألتنا أنه لا عقل فبأي (٣) وجه حكمتم لكان صوابًا قاضيًا على ما أورده من الشّبه العقلية في طرفي الحظر والإباحة بالفساد والتناقض، إذ فرضوا الكلام فيما لا تقضي (٤) فيه العقول، ثم قضوا واستندوا إلى العقل، وهذا لعمر الله تناقض لائح، وقد أشرنا [إليه] (٥) آنفًا.


= يخلقهما فالحكمة تقتضي الإباحة، إذ المنع من الانتفاع به لا يناسب الحكيم؛ لأنه إن لم يكن في خلقه فائدة يكون عبثًا، ومستحيل أن نعود الفائدة إلى الخالق لتعاليه عنها، فلا بد وأن تكون للمنتفع به، وليست للإضرار اتفاقًا، فتكون الفائدة الانتفاع وهو إما التلذذ أو الاجتناب مع الميل، أو الاستدلال بالصانع؛ إذ الأصل عدم الغير، ولا يحصل شيء منها إلا بالتناول فيكون التناول مباحًا، أجاب المصنف عنه بمعارضة ومناقضة، أما المعارضة فهي ما استدل به القائلون بالحظر بأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيحرم؛ لأن الحكمة تقتضي عدم التصرف في ملك الغير. وأما المناقضة فهي أنا لا نسلم أن الانتفاع لا يحصل بدون التناول؛ لجواز أن يكون خلقه ليصبر المكلف على ترك التناول فيثاب على الصبر، ولقائل أن يقول: المعارضة بدليل القائلين بالحرمة مما ينافي تسليم المصنف الإباحة بمعنى أنه لا حرج فيه.
(١) في ب، ت، ج: مقصورة.
(٢) سقط في ت.
(٣) في ت: فأي.
(٤) في ت، ح: يقضي.
(٥) سقط في ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>