أما المحظورات التي لم تشرع فيها عقوبات مقدرة، كمن اعتدى على آخر فسبه أو سب أباه - بما ليس بزنا - أو ضربه أو مطله دينه عن يسار، أو غير ذلك، فالأمر فيها على ذلك، فالناس فيها يتفاوتون، وللظروف والملابسات المحيطة حكمها. لذلك كان العدل والحكمة والرحمة، كل ذلك قاضيًا بتركها لولاة الأمور، يعملون فيها رأيهم، ويعطون لكل جريمة ما يكون كفيلًا بردع مقترفيها وزجرهم. ولنقسم التعزير في ذاته إلى: قولي وفعلي. فأما التعزير "بالقول"، فما روى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه، حينما أتى إليه برجل سكران: "بَكِّتُوه"، فأقبلوا عليه يقولون: - ما اتقيت الله، ما خشيت الله، ما استحيت من رسول الله ﷺ. فهذا التبكيت، من التعزير بالقول. وأما التعزير "بالفعل"، فَقَدْ رُوِّينَا فيما تقدم من تعزيراته ﷺ الكثير، فلا نطيل بتكراره. فهذا تقسيم للتعزير في ذاته، وهناك تقسيم آخر له باعتبار موجبه … وذلك لأنه إما أن يكون على ترك الواجب، وإما أن يكون على فعل المحرم. فأما ما يكون منه - على ترك الواجب -، فمنه منع الزكاة وترك قضاء الديون، وأداء الأمانات مثل الوداخ، وأموال الأيتام وغلات الوقوف، والامتناع من رد المغصوب والمظالم، مع القدرة على أداء ذلك كله إلى أربابه، فإن مرتكب هذه المخالفات كلها يعاقب حتى يؤدي ما يجب عليه. وأما ما يكون منه - على فعل المحرم -، فعلى التفصيل الآتي: وذلك لأن المحرم أنواع: فمنه ما تجب فيه العقوبة والكفارة والغرم، كقتل العمد إذا عفي عنه، فإنه يجب على القاتل الدية، ويستحب له الكفارة، ويضرب مائة، ويحبس سنة، على ما يراه بعضهم، ومنه ما يجب فيه القصاص والأدب، وهو: الجارح عمدًا، يقتص منه ويؤدب. ومنه ما يجب فيه الغرم، وهو الجنين. ومنه ما فيه التعزير فقط كسرقة ما لا قطع فيه، والخلوة بالأجنبية، واليمين الغموس، والغش في الأسواق، وشهادة الزور، والعمل بالربا. ومنه ما تجب فيه الكفارة والغرم: كقتل الخطإ. ومنه ما فيه العقوبة كحماية الظلمة والذب عنهبم، وكمن دافع عن شخص وجب عليه حق، كمن يحمي قطاع الطريق أو السارق؛ فإن هؤلاء جميعا يعاقبون، حتى يرجعوا عما اقترفوا من الجرائم، وقد رأى بعضهم أن فاعل المكروه يؤدب أيضًا. وقسَّم العلامة ابن القيم المعاصي إلى ثلاثة أقسام: - قسم فيه حد ولا كفارة فيه، كالزنى والسرقة وشرب الخمر، والقذف، وهذا يكفي فيه الحد عن الحبس والتعزير. - وقسم فيه كفارة ولا حَدَّ فيه، كمضاجعة النساء في الإحرام أو في نهار رمضان، فهذا يكفي فيه=