للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانَ هناك مدارسُ أخْرى انتشرتْ في أنحاء البلادِ، حتَّى قال القلقشنديُّ: "ابتنى أكابرُ الأمراءِ وغيرهم من المدارِسِ ما ملأ الأخطاط وشحَنَها" (١)، منها المدرسةُ البرقوقيَّة، ومدرسةُ سرياقُوس، والمدرسةُ المحمُودية، وهذه الأخيرةُ قال عنها المقريزيُّ: "مِنْ أحْسَنِ مدارِس مصْرَ" (٢).

وأختم بالحديثِ عن المدْرَسَة الحجَازيَّة: وقد أنشأتْها الستُّ خوندتتر الحجازية بنْت المَلِك النَّاصرِ محمَّدِ بنِ قلاوُون، وزَوْجَة بكتمر الحجازيِّ، وإِلَيْه نُسِبَتْ. وكان إِنشاؤها سنة إِحدى وستِّين وسبعمائة (٣).

وقد ذكر المقريزيُّ: "أن صاحبتها جعلَتْ بها درسًا للشافعيَّة والمالكيَّة، ومنبرًا لخطبة الجمعة والعيدين، وإِمامًا للصَّلواتِ الخَمْس، وخزانة كتبٍ، وجعلَتْ بها مكتبًا فوق السبِيلِ فيه عدَّة من الأَيْتَام، ورَتَّبَتْ لهم مؤدِّبًا يعلِّمهم القرآن الكَرِيمَ .. " (٤). وقد أجرتْ عليهم أرزاقَهُم من كلِّ يوم، وكان لا يلي نَظَر هذه المدرسة إِلا الأُمَرَاء، ثم وليها الخُدَّام وغيرهم … ومع ذلك، فهِيَ من أبْهَج مدارس القاهِرة (٥). وقد رتَّبَتْ فيها شَيْخَ الإِسْلام البلقينيَّ مدرِّسًا بها للفقه الشافعيِّ: وهو سراج الدِّين أبو حفص عمرُ بنُ رسلانَ بْنِ نصرِ بْنِ صالح الكنانيُّ، العسْقلانيُّ الأصلِ، ثمَّ البُلْقِينيُّ المصريُّ الشافعيُّ: مجتهدٌ حافظٌ للحديثِ، ولدَ في بُلْقِينَة بمحافظة الغَرْبية سنة ٧٢٤ هـ، وطلب العلم حتَّى بَلَغ فِيهِ الغايَة، ثمَّ ولِيَ قضاء الشَّام سنة ٧٦٩ هـ، وقد صنَّف المصنَّفاتِ المُفِيدَة، في الفِقْه كـ"التَّدريب" في فِقْه الشَّافعيَّة، و"محاسِنِ الاصْطِلاح" في الحديث، وغير ذلك، تُوُفِّيَ سنة ٨٠٥ هـ (٦).

وقد جَرَت العادةُ عِنْدَ الفَراغِ مِنْ إِنْشَاء مدرسةٍ من المدارس في عَصْر المماليك أن يُحْتَفَل بافْتِتَاحِها احتفالًا كبيرًا يحضرُه كبارُ رجالِ الدَّوْلة والفُقَهاءُ والأعيانُ والقُضاة، ويكونُ فيه ألوان الأطعمةِ والفَوَاكِه والحَلْوى.

قال المقريزيُّ في حديثه عن المدرسة الظاهِرِيَّة: " … وبَعْد تمامِها جلَسَ أهْلُ


(١) صبح الأعشى ٣/ ٣٦٤.
(٢) الخطط: ٢/ ٣٩٥.
(٣) الخطط التوفيقية ٦/ ١٢.
(٤) خطط المقريزي ٣/ ٣٤٧ وما بعدها.
(٥) السابق.
(٦) حسن المحاضرة ١/ ٣٢٩، خطط المقريزي ٣/ ٣٤٧، والزركلي: الأعلام ٥/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>