للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدروسِ مِنْ كلِّ طائفة في إِيوان، ثمَّ مُدَّتِ الأسمطَة، فأكَلُوا، وأُنْشِدَتْ بَعْضُ قَصَائِدَ، ثمَّ أفيضت عليهم الخِلَع، وكان يومًا مشْهُودًا" (١).

وقد جرتِ العادةُ على تَعْيين مُعِيدٍ أو أكثر لكلِّ مدرِّس يُدرِّس في تِلْك المَدَارِس؛ وذلك ليعيدِ للطلبة ما ألْقَاهُ عليهم المدرِّس ليفهموه ويُحْسِنُوه، كما يَشْرَح لهم ما يحتاج إِلى الشرح (٢).

وقد ينوب المُعيدُون عن المدرِّسين في التدريس إِذا خَلَتِ المدرسةُ من الآخرين، فقد حكَى السُّيوطيُّ - في حديثه عن المدرسة الصَّلاحِيَّة (٣) -: "أنها خلتْ مِنْ مدرِّس ثلاثينَ سنةً، واكتُفِيَ فيها بالمُعِيدِينَ" (٤).

وأمَّا الطَّلبة فقد تمتَّعوا بحرية اختيارِ الموادِّ الَّتِي يدرسُونها بحيث لا يمنع فقيهٌ أو مستفيدٌ من الطلبة ما يختاره من أنواع العلوم الشرعيَّة … فإِذا أتمَّ الطالبُ دراستَه وتأهَّل للفُتيا والتَّدْرِيسِ أجاز له شيخُه ذلك، وكَتَب له إِجازةً يُذْكَر فيها اسْمُ الطالبِ وشَيْخهِ ومَذْهَبه، وتاريخ الإِجازة وغير ذلك، ولا شكَّ في أن قيمة هذه الإِجازة كانَت تتوقَّف على سُمْعَة الشَّيْخِ الَّذي صَدَرَتْ عنه ومكانَتِه العِلْمِيَّةِ (٥).

ومهما يَكُنْ، فقد كان إِنشاءُ المدارسِ سَبَبًا في كثْرة التأْليف، وكَثْرَة التَّحْصيل، واطِّلاع طالب العِلْمِ والشادِي فيه على عدَّةٍ من فُرُوع العِلْم، فقد صار طالبُ العِلْم يجدُ في المدْرَسَة علومَ العَقْل وعلوم النَّقْل، كَعُلُومِ الفِقْه والحَدِيثِ والتَّفْسِيرِ واللُّغَة، فينهل منها جميعًا، ويتثقَّف بها ثقافةَ عامَّةً، ثم يخصِّصه اتجاهُه ونزعتُه في أحَدِهِما فينظر فيه (٦).

وأما المكتبات، فَلَمْ تَكُن العنايةُ بها أقلَّ من العناية بالمدَارِس والجَوَامِع في عصر المماليك، فَكَانَتْ مُنْتَشِرَةً تَحوى أمهاتِ الكُتُب، مثل ما حدث من إِنشاء خزانة للكُتُب الجليلة القَدْر، وجعلوها في قَلْعة الجبل. وكذلك حرَصَ السُّلْطانُ المَنْصُور قلاوُون عَلَى أن يُزَوِّد مكتبةَ المَدْرَسَة المنصورية بالكثير من "كتب التَّفْسير والحَدِيث والفقْه واللُّغَة والطِّبِّ


(١) خطط المقريزي ٣/ ٣٤٠.
(٢) د. سعيد عاشور: العصر المماليكي ص ٣٤٤.
(٣) انظر أخبارها عند: النعيمي: الدارس في أخبار المدارس ١/ ٢٥٠.
(٤) حسن المحاضرة ٢/ ٢٥٧.
(٥) العصر المماليكي ص ٣٤٤.
(٦) أبو زهرة: ابن تيمية ص ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>