للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأدَبيَّاتِ ودواوين الشعر، وكذلك المدرسة النَّاصِرِيَّة الَّتي أقامَهَا السُّلطانُ النَّاصِر مُحمَّد؛ إِذْ أنشأ بها خزانة كُتُب جليلةٍ" (١).

ولَمْ تَكُن المدارِسُ العلميَّة، ومكتباتُها هِيَ المَظْهَر الوحيدَ لازْدِهَار الحَالَة الثَّقافِيَّة فِي عَصْرِ سَلاطِين المماليكِ، فقد وُجِدَ - إِلى جانب ذلك - المكاتبُ الَّتِي يُعلَّم فيها الناشئة وأيتامُ المسِلِمينَ كتابَ الله تعالى، مع الإِنفاقِ عَلَيْهِم ورعايَتِهِمْ.

ويُضَاف إِلى ما سَبق انتشارُ التصوُّف في عَصْر سلاطين المَمَاليك، ويعلِّل الباحثون هذه الظَّاهرة بِكَثْرة مَنْ وفَدَ عَلَى مصْر فِي ذلكَ العَصْر مِن مشَايخِ الصُّوفيَّةِ المَغارِبَةِ والأندلسيِّين، وقد قامَتْ حياةُ الصوفيَّة في الأصْل على أساسِ التقشُّف في المَلْبَس والمأْكَل، حتَّى بالغ بعضهم في ذلِك فَلَبِسُوا المُرَقَّع من الثِّياب، وصَبروا عَلى الجُوع والعَطَش بضْعَة أيَّام.

وقد استتبع انتشارُ التَّصوُّف وكثرةُ معتنقيه في عصْر المماليك انتشارَ خَلَواتٍ يقيمون بها، أُطْلِقَ عليها خانقاواتٌ وربطٌ وزوايا، وأجرى السلاطينُ عليهم الأرزاقَ الَّتي تسهِّل لهم الحياة، وقد ذكر المقريزيُّ: "أن النَّاصِر رَكِبَ كَعَادته للصَّيْد، وبينما هُوَ في الطريقِ، إِذ انتابَهُ ألمٌ شديدٌ كاد يقْضِي عليه، فنزَل عن فَرَسِه، ولكنَّ الألم تزايَدَ عَلَيْه، فنَذَر إِن عافاه الله أن يَبْنِي في هذا المَوْضِع مكانًا يتعبَّد فيه النَّاس. ولما عاد إِلى قَلْعَة الجَبَل، وقد شفَاه الله مِنْ مرضه سار بِنَفْسِه إِلى الموضع الَّذي انتابه فيه المَرَض، وصَحِبَهُ جماعةٌ من المهندسين، واختَطَّ هذه الخانقاه في سنة ٨٢٣ هـ، وجعل فيها مائة صوفيٍّ، وبنى بجانبها مسجدًا تقام فيه الجمعة، وبنى بها حَمَّامًا ومَطْبَخًا" (٢).

إِلا أن حياة الصوفيَّة لم تلبثْ أن تغيَّرتْ أواخرَ عَصْر المماليك، فتغيَّر وضعهم من الصَّلاح إِلى الفَسَاد، وتخلَّوْا عن النُّظُم والآدابِ الَّتي عُرِفُوا بها بَيْن النَّاسِ ممَّا أثارَ استنكار المُعَاصِرِين (٣).

ونتاجًا لكُلِّ ما تقدَّم، فقد ازدهرتِ الحياةُ الثقافيَّة في عَصْر المماليكِ، ورأينا جمعًا


(١) ينظر: العصر المماليكي ص ٣٤٦،
(٢) أبو زهرة: ابن تيمية ص ٢٠٧.
(٣) ينظر: د. سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي ص ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>