الأول: توفر الناس على مصالحهم الدنيوية، وتعاونهم على واجباتهم الدينية ممَّا يحث عليه طبعهم، وينادى به دينهم، فلا حاجة بهم إِلى قيام حاكم عليهم فيما يستقلون به، ويدل على ذلك انتظام أحوال العرب، وأهل البادية النائين عن السلطان وحكمه. الثَّاني: انتفاع الناس بالخليفة لا يكون إِلا بالوصول إِليه، ولا يخفى أن وصول آحاد الرعية إِليه في كلّ ما يطرأ لهم من الأمور الدنيوية متعذر عادة، فلا فائدة إِذًا في نصبه للعامة، فلا يكون واجبًا بل جائزًا. الثالث: اشترط العلماء في الخليفة شروطًا قلَّما تتوفر في كلّ عصر، وعلى ذلك فإِن أقام المسلمون فاقدها لم يأتوا بالواجب عليهم، وإِن لم يقيموه فقد تركوا الواجب، فوجوب نصبه يستلزم أحد الأمرين الممتنعين، فيكون ممتنعًا. ورد دليلهم الأول: بأنه وإِن كان ممكنًا عقلًا، فهو ممتنع؛ عادة لما نشاهده من قيام الفتن، وحدوث الخلاف والشقاق عند موت الولاة، حيث كان العرب من سكان البادية قساة غلاظًا أجلافًا يشنون الغارات لأتفه الأسباب، ويقتلون الأنفس والذَّراري، فهم إِذن بعيدون عن آداب الدين وسياسة الدنيا. ورد الثَّاني: بمنع ما يدعونه من أن الانتفاع بالإِمام لا يكون إِلا بالوصول إِليه فقط، بل كما يكون بالوصول إِليه يكون بوصول أحكامه وسياسته إِلى الرعية، ونصبه من يرجعون إِليه في مصالحهم. ورد الثالث: بأن الواجب على المسلمين أن يبايعوا من كان مستجمعًا للشروط الواجبة، فإِذا تعذَّر وجوب بعض الشروط دخلت المسألة في حكم الضرورات، والضرورات تقدر بقدرها، فيكون الواجب حينئذ مبايعة من كان مستجمعًا لأكثر الشروط من أهلها مع الاجتهاد، والسعي لاستكمالها كلها فيه. =