والقول الثاني: يجوز القصر في السفر والحضر؛ لأنه يلزمه في القضاء ما كان يلزمه في الأداء، وكان يلزمه في الأداء صلاة، ولو مقصورة، فكذلك القضاء. والقول الثالث: لا يجوز قصر المقضية، لا في السفر ولا في الحضر، لأنها صلاة ردَّت إلى ركعتين، فإن فاتت يؤتى بأربع كالجمعة. والقول الرابع: إن قضى في السفر الذي قامَت فيه قصر، وإلا فلا. (١) يباحُ للمسافر الفطر في رمضان إذا تحققت الشروط الآتية: الأول: أن يكون سفره سفر قصر أي: أن يكون سفرًا طويلًا، والسفر الطويل ما كان مرحلتين فأكثر، وهما: سير يومين من غير ليلة على الاعتبار، أو ليلتين بلا يوم كذلك، أو يوم وليلة مع النزول المعتاد ولنحو استراحة، أو أكلٍ أو صلاةٍ، وأن تكون المرحلتان بسير الأثقال أي: الحيوانات المثقلة بالأحمال، والبحر كالبر في اشتراط المسافة المذكورة، فلو قطع الأميال فيه في ساعة مثلًا، لشدة جري السفينة بالهواء ونحوه، فإنه يبيح له الفطر أيضًا؛ لوجود المسافة الصالحة، وَلا يضُرُّ قَطْعُهَا في زَمَنٍ يسيرٍ. فإن قيل: إذا قطع المسافة في لحظة صار مقيمًا، فكيف يتصور ترخيصه فيها؟. أجبب بأنه لا يلْزَمُ من وُصُولِ الْمَقْصِدِ انْتِهَاءُ الرُّخْصَةِ. الشرطُ الثَّاني: أَن يكون سفره في غير معصية بأَلَّا يكون عاصيًا بالسفرِ، وهو الذي أنشأ سفره معصية، ولا عاصيًا بالسفر في السفر، وهو الذي أنشأ سفره طاعة ثم قلبه معصية. أَمَّا العاصي في السفر وهو من أنشأ سفره طاعة، واستمر كذلك إِلَّا أنه وقعَت منه معصية في أثناء سفره، فيجوز له الفطر، وَلمْ يجَوِّز الشارعُ الفطر لمن كان سفره في معصية؛ لأن ذلك يكون إعانة له على المعصية؛ ولأن جواز الفطر رخصة، والرخصة لا تُنَاطُ بِالْمَعاصِي. وبناءً على هذين الشرطين يمكن أن يُقَلُ: إِنَّ المسافر الذي كان سفره في غير معصية، وكان سفره سفر قصر يباحُ له الفطر بالإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ أَي: فله الفطر وعليهِ عدة من أيام أخر، ولما روت السيدة عائشة ﵂ أنْ حَمْزَةَ بن عمرِ الأسلمي قَال: يا رَسُول اللهِ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَال له رَسُولُ اللهِ ﷺ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِر". ثُمَّ إن كان المسافر ممن لا يجهده الصوم - أي: لا يتضرر به، فالأفضل له الصوم؛ لِمَا روِي عن أنس ﵁ أنه قال لِلصَّائِمِ فِي السَّفَرِ: "إنْ أَفْطَرْتَ فَرخْصَةٌ، وَإِنْ صُمْتَ فَأَفْضَلُ". وَلأِنَّه لو أفطر عرض الصوم للنسيان، وحوادث الأيَّام؛ ولأن شهر الصوم له أفضلية وَمَزِيَّةٌ عَلى سائر الأيام، وإن كان المسافر ممن يجهده الصَّوم، أي يتضرر به فالأَفْضَلُ له الفِطْر؛ لما روى جابر ﵁=