وقال جمهور المعتزلة: فعل العبد واقع بقدرته وحدها على سبيل الاستقلال بلا الجاب بل باختيار. وقالت الحكماء: إن فعل العبد واقع بقدرته استقلالًا بالإيجاب لا بالاختيار، وهذا ما اشتهر عنهم، ولكن تحقيق مذهبهم أنه تعالى فاعل الحوادث كلها، وأن المراتب شروط معدة لإفاضة المبدأ الأول على ما صرح به في "شرح الإشارات" حيث قال: إن الكل متفقون على صدور الكل منه ﷻ، وأن الوجود معلول له على الإطلاق، وإن تساهلوا في مقالاتهم، وقال بهزبار في التحصيل: وإن سألت الحق، فلا يصح أن يكون علة لوجود إلا ما هو برئ من كل وجه من معنى ما بالقوة، وهذا هو المبدأ الأول لا غير. وللحكماء رأى آخر يوافق المعتزلة، وهو وقوع الفعل بقدرة العبد اختيارًا. وقال إمام الحرمين: فعل العبد واقع بقدرته وإرادته بالإيجاب استقلالا لا بالاختيار، فيكون موافقًا لمذهب الحكماء، وهذا ما اشتهر عنه بين القوم: ولكن تحقيق مذهبه أن الخالق لفعل العبد الاختياري هو الله تعالى كما صرح به في الإرشاد حيت قال: "اتفق أئمة السلف قبل ظهور البدع والأهواء على أن الخالق هو الله تعالى، ولا خالق سواه، وأن الحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى من غير فرق بين ما تتعلق به قدرة العباد وبين ما لا تتعلق به؛ فإن تعلق الصفة بشيء لا يستلزم تأثيرها فيه، كالعلم بالمعلوم والإرادة بفعل الغير، فالقدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها، واتفقت المعتزلة ومن تابعهم من أهل الزيغ على أن العباد موجدون لأفعالهم مخترعون لها بقدرهم" هذا كلامه، وبالله التوفيق. والفرق بين مذهب المعتزلة والحكماء هو أن وقوع الفعل بقدرة العبد على سبيل الاختيار عند المعتزلة بخلاف الحكماء، فعندهم وقوع الفعل بقدرة العبد على سبيل الوجوب، وهذا الفرق ظاهر بالنسبة إلى نفس القدرة، وأما مع تمام الشرائط من الإرادة وغيرها فيفرق بينهما بأن الله خلق قدرة العبد بالاختيار عند المعتزلة، وأما عند الحكماء فالله خلق قدرة العبد بالإيجاب، وذلك أنه عند تمام الشرائط من الإرادة وغيرها فليس إلا الوجوب عند المعتزلة، فيكون الفعل واجبًا كمذهب الحكماء، اللهم إلا أن يقال: إن مذهب المعتزلة هو صدور الفعل عن المختار، ولو بعد تمام الشرائط على سبيل الصحة دون الوجوب؛ بناء على كفاية الرجحان في الوقوع، وإن كان مردودًا عند المحققين، ولكن يمكن أن يفرق بينهما بعد تمام الشرائط بأن ذات القدرة لا توجب الفعل عند المعتزلة، إنما الإيجاب من التعلق الذي يجوز أن يكون بدله تعلق آخر، وأما عند الحكماء فذات القدرة توجب=