والفرق بين المعتزلة وبين المحققين من أهل السنة: أن المعتزلة يعتقدون انفراد العبد بالخلق، وأنه إذا عصى فقد انفرد بخلق فعله، والرب كاره له، فيكون العبد موقعًا ما أراد إيقاعه، شاء الرب أو كره، وأما المحققون من أهل السنة فيعتقدون بأن أفعال العباد واقعة بقضاء الله وقدره ومشيئته وخلقه، وأن العباد فاعلون لها حقيقة، فتضاف أفعال العباد إلى الله خلقًا، وإلى العبد كسبًا وفعلًا حقيقة. والفرق بين الجبرية وبين الأشعرية: أن الجبرية تنفي قدرة العبد، وتجعله مجبورًا مقهورًا في أفعاله ليس لقدرته مدخل فيها، ولا اختيار له؛ وأما الأشعرية فتثبت قدرة للعبد، وتجعله مختارًا في أفعاله، وأن الله يخلق الفعل مقارنًا لقدرة العبد، فليس العبد مجبورًا إلا في نفس تعلق الإرادة؛ لأنه مخلوق عنده، ولا يستلزم الجبر في الأفعال بل الجبر الحاصل في مذهب الأشعري، إنما هو بالنسبة للاختيار فقط؛ لأن الأشعري يقول بخلق الاختيار. والجبري إن كان ينكر التكاليف الشرعية، أو يعترض على الله تعالى فيها، وينسبه إلى الظلم، فهو كافر قطعًا، وإن كان يعترف بالتكاليف، ولا ينكر شيئًا منها علم من الدين بالضرورة، ولا يوجه في ذلك اعتراضًا عليه سبحانه، بل يقول كما قال غيره: "يفعل ما يشاء ويختار"لا يسأل عما يفعل" فليس بكافر قطعًا؛ ولكنه بحسب ظاهر مذهبه مخطئ في هذه العقيدة قطعًا لمخالفته ما قضت به بداهة العقل من الفرق البين بين أفعال العبد الاختيارية وبين أفعاله الاضطرارية، وأنه في الأولى متمكن من الفعل والترك دون الثانية. وكل إنسان سليم العقل يشهد وجدانه في نفسه وفي كل بني نوعه بذلك، كما أن المعتزليّ مخطئ في عقيدته قطعًا؛ لمخالفته ما قضت به الأدلة النقلية والعقلية أنه لا خالق سوى الله جل شأنه. (١) في أ: وبأن. (٢) في ت، ح: فإن. (٣) في أ، ح: فالأول. (٤) في ت: يجزم.