للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنَّهُ لا يُصَدِّقهُ فَقَدْ كَلَّفَهُ بِأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي أَلَّا يُصَدِّقَه، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ أَلَّا يُصَدِّقَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ

ونحوه ممن عام موتهم على الكفر "تصديق رسوله في جميع ما جاء به. ومنه لا يصدقه، فقد كلفه بأن يصدقه في ألّا يصدقه، وهو مستلزم ألا يصدقه"، فيكون مكلفًا بأن يصدقه وبألَّا يصدقه، وهو تكليف بالجمع بين الضدين، فيكون التكليف بالمحال لذاته واقعًا.

وهذا وجه اعتمده الشَّيخ، والقاضي في كتاب "شرح الإيجاز" واتبعهم الأصحاب كلهم.

"والجواب أنهم كلّفوا بتصديقه، فيما جاء به، وتصديقه فيما جاء به أمر ممكن في نفسه، "وإخبار رسوله " بأنهم لا [يصدقونه] (١)، "كإخبار نوح " في قوله تعالى: ﴿لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦].

"ولا يخرج الممكن"، وهو إيمان أبي جهل مثلًا "عن الإمكان بخبر" الصَّادق بعدم وقوعه، "أو علم" منه أن ذلك لا يقع، غاية الأمر أنه يكون ممتنعًا بسبب تعلّق الخبر والعلم (٢)، وذلك


(١) في أ، ب، ت، ح: يصدقوه.
(٢) وقد استدل على أن العلم والخبر لا يؤثر في وجوب الشيء وامتناعه بأدلة سمعية وعقلية، أما السمعية فمن وجوه:
الأول: أن القرآن مملوء من الآيات الدالة على أن لا مانع لأحد من الإيمان، كقوله عز من قائل: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى﴾، وقوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ لأنه استفهام في معرض الإنكار، وهو لا يصح مع كون العلم والخبر مانعين من الإيمان.
الثاني: قوله تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾، ولو كان العلم والخبر مانعًا لكان ذلك من أقوى الأعذار.
الثالث: قوله تعالى: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾، وقوله تعالى ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ ذمهم الباري على ترك الإيمان، وذلك لا يصح مع مانعية العلم والخبر، لقيام العذر عندهم حينئذ. وأما العقلية فمن وجوه أيضًا:
الأول: أن العلم والخبر لو أوجبا الأشياء وأحالاها كانت الأشياء إما واجبة أو ممتنعة، والواجب والممتنع غير مقدورين؛ فيلزم عدم قادرية الله تعالى، وهو باطل بالإجماع.
الثاني: لو كان العلم نفس القدرة والإرادة إذ لا معنى لهما إلا الصفة المؤثرة المخصصة، وهو محال؛ لامتناع قلب الحقائق.
الثالث: وكان العالم غنيًا عن المؤثر لكونه واجب الوجود في الوقت الذي علم الله وقوعه فيه، وكذا كل حادث، وهو خلاف الإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>