للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فاستدل على انتفاء الأمر بانتفاء القدرة، وإذا استدللت بهذا أريناك نقيضه؛ لأن القاعد مأمور بالقيام، وقدرته معدومة عليه، وهذه القُدْرَةُ انعدمت، ولم ينعدم الأمر.

قال المَازِرِيُّ: وكلّ من نظر بعينِ الإنصاف علم صحَّةَ ما بَيَّناه، وأن الإمام لم ينصف الرجل في إلزامه كيف وهو يعني الإمام وقد نبَّه على أن الأشعري لم يمنع تقدم القدرة على الفعل بمعنى يعود إلى حقيقة تعلّقها بالأفعال، ولكن من حيث إنها عرض، والعرَضُ لا يبقى زمانين، فلو فرضناها متقدمة، وانعدمت في الثَّاني من حال وجودها قبل إيقاع المقدور بها، فلا فائدة فيها، ولا تأثير لها، وإن فرضناها باقيةً أبطلنا أصلنا في أن الأعراض لا تبقى زمانين (١).

قلت: وكلام الإمام يقتضي أن القائل بهذه المَقَالَةِ لا يقول بتوجّه الأمر قبل الفعل، إلا على سبيل الإعلام دون الإلزام، كما قدمته، وعلى هذا لا يكون استدلاله استدلالًا بالعكس، بل نقض على دعوى أن الأمر لا يتوجّه قبل المُبَاشرة بأن القاعد مأمور بالقيام إجماعًا ويصح مقاله (٢)، وقد ألزم صاحب هذه المقالة أيضًا بأن أحدًا لا يعصي بترك المأمور؛ لأنه إن أتى به، فذاك وإلا فهو غير مكلف.

وجواب هذا عندنا، أن الأمر بالشَّيء نهي عن ضده على أصل شيخنا. والتارك مباشر للترك، وهو فعل منهي حرام قائم من هذه النَّاحية، لكن مساق هذا أن تارك الصلاة مثلًا غير مكلف بالصلاة، بل بترك ترك الصَّلاة الذي يلزمه الصلاة.

والإمام قد ادعى الإجماع على أن القاعد مأمور بالقيام، فإن أمكن ردَّه إلى ترك الترك كما قررناه فلا إشكالَ، وإلَّا فهو معدم على القول بذلك.

وقد يقال: ترك الترك هو نفس الصلاة (٣)، وإذا تأملت ما ألقيت إليك علمت اندفاع ترديد المصنّف، وأن الشيخ لم يرد إلا تنجيز التكليف، ولا يلزم عليه ما ذكره، لأنه لم يقل بأن الاقتضاء قائم في إيجاد (٤) الموجود، بل إنه مأمور به كما عرفت، ولكن [لم] (٥) قلتم: إن كل مأمور به مقتضى؟ سلمنا أن كل مأمور به مقتض، ولكن لم قلتم: إنه يستلزم تحصيل الحاصل، وتقريره قد عَرفْتَه.


(١) في أ، ب، ت، ج: وقتين.
(٢) في ت، ح: كلامه.
(٣) في ت: للصلاة.
(٤) في ب: اتحاد.
(٥) سقط في ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>