للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِتْلافُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذلِكَ غَيْرُ تَكْلِيفٍ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْأَسْبَابِ؛ كَقَتْلِ الطِّفْلِ وَإِتْلافِهِ.

"قَالُوا: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [سورة النساء: الآية ٤٣] .................

"وأجيب بأن ذلك" الأمر المجرى على السَّكران "غير تكليف، بل من قبيل الأسباب"، وذلك من باب خطاب الوَضْع، فطلاقه (١) سبب الفراق، وقتله سبب القِصَاص، وإتلافه سبب الضَّمان "كقتل الطفل وإتلافه"، فإنه سببٌ للضمان والغَرَامَةِ.

ولك أن تقول: لو كان كالطِّفْل لما وجب عليه قِصَاصٌ، ولاختلف في أن عمده عمد، أو خطأ.

بل قال القَفَّال ومن تابعه كالبَغَوِيّ (٢): إنه لا خلاف في الطفل الذي لا تَمْييز له أن عمده ليس بعمد بل خطأ، وإنما الخلاف في صبي يعقل عقل مثله.

الشرح: "قالوا": قوله: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [سورة النساء: الآية ٤٣] دليل على خطاب الغافل إذا وجه النهي نحوه حالة السكر.

"قلنا: يجب تأويله، إما" بأن يقال: وقع النَّهي عن السّكر عند إرادة الصلاة تشبيهًا "بمثل" ما يقال: "لا تَمُتْ وأنت ظالم وعلى عكسه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية ١٠٢]. "وأما على أن المراد الثَّمل"، وهو الذي تَدبُّ فيه أوائل الطَّرب دون الطَّافح الخارج عن قضية التَّمييز، ونهى عن الصَّلاة حينئذٍ مع حضور عقله، لأن مبادئ الطَّرب "تمنع" (٣) الخشوع "والتثبت كالغضب" ويؤيده قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ [سورة النساء: الآية ٤٣].

ولو قال المصنّف: النّشْوَان بدل الثَّمل كان أولى، فإن الثملَ والطَّافحَ سواءٌ، وهو من أخذ منه الشراب.


(١) في ب: وطلاقه.
(٢) الحسين بن مسعود بن محمد، العلامة محيي السنة، أبو محمد البغوي، يعرف بـ"الفراء" أحد الأئمة، تفقه على القاضي الحسين، وكان دينًا، عالمًا، عاملًا على طريقه السلف، قال الذهبي: كان إمامًا في التفسير، إمامًا في الحديث، إمامًا في الفقه. بورك له في تصانيفه، ورزق القبول لحسن قصده وصدق نيته. ومن تصانيفه التهذيب، وشرح المختصر، وتفسير معالم التنزيل. وغيرها. مات سنة ٥١٦. ينظر: طبقات ابن قاضي شهبة ١/ ٢٨١، ووفيات الأعيان ١/ ٤٠٢، وتذكرة الحفاظ ٤/ ١٢٥٨، والأعلام ٢/ ٢٨٤، وشذرات الذهب ٤/ ٤٨، والنجوم الزاهرة ٥/ ٢٢٤.
(٣) في أ، ت، ح: يمنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>