للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ مِنْ غَيْرِ مُتَعَلَّقٍ مُحَالٌ. قُلْنَا: مَحَل النِّزَاعِ، ...........

التعلق" بالغير وهو المأمور، فلو لم يكن التعلُّق أزليًّا لم يكن الأمر أزليَّا، "وهو أزلي" قطعًا، لما ثبت من قِدَمِ كلام الرَّبِّ جلَّ وعلا، وكان تعلقه أزليًّا.

وأنت إذا وقفت (١) على هذه الحُجَّة علمت أنها لا تنهض على من ينكر قدم الكلام، وهم الخصوم في المسألة - أعني المعتزلة - وأنه لا ينبغي الاكنفاء به، فإن منع الحكم على المعدوم هو أحد شُبَهِ المعتزلة في القول بِخَلْقِ القرآن.

الشرح: "قالوا": لا يتعلّق الحكم بالمعدوم؛ إذ كيف يوجد "أمر، ونهي، وخبر من غير متعلّق" موجود هو المأمور المنهي المخبر، هذا "مُحَال".

ونظيره من جلس وحده ينادي: يا زيد افْعَلْ كذا، ويا عمرو اترك كذا، وذلك عين الاختلال والسَّفه، فيستحيل على الباري تَعَالى.

"قلنا": استحالة هذا "مَحَل النزاع وهو استبعاد" مجرد، فلا يلزم منه الامتناع، وإنما بَعُدَ عِنْدَكُم [لأنكم قِسْتُمْ] (٢) الغائب بالشاهد، واللفظي بالنَّفسي. وأنَّى يستويان، فإن من أحب أن يحيط علمًا بوَرَقِ الأشجار (٣)، وقَطْر البحار من أَسْفه الخلق، بخلاف الرَّب تعالى.

والحاصل: أن المعدوم بالنسبة إليه - تعالى - متوقّف وجوده على أمره، وقد قدر وجوده في وقت معلوم لا يتخلّف عنه على صفة مَعْلُومة لا انْفِكَاكَ لها دون أمره، وهو نازل عنده منزلة الموجود يأمره وينهاه بخلاف المخلوق.

"ومن ثم" أي: ومن أجل هذا الاستبعاد - "قال" عبد اللّه "بن سَعِيدِ" بن كلاب القَطَان (٤) وهو أحد أئمة أهل السُّنَّة، وبطريقته (٥) وطريقة الحارث بن


(١) في ت، ح: وفعت.
(٢) في ت: لا نسلم قسمة.
(٣) في ب: الشجر.
(٤) عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب، أبو محمد القطان: متكلم من العلماء. يقال له "ابن كُلاب". قال - السبكي: وكلاب بضم الكاف وتشديد اللام، وقيل: لقب بها؛ لأنَّهُ كان يجتذب الناس إلى معتقده إذا ناظر عليه كما يجتذب الكُلاب الشيء. له كتب، منها "الصفات" و"خلق الأفعال" و"الرد على المعتزلة" توفي سنة ٢٤٥ هـ. ينظر: فضل الاعتزال ٢٨٦، والطبقات الصغرى للسبكي، وابن النديم ١٨٠، والأعلام ٤/ ٩٠.
(٥) في ب: ولطريقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>