للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشْتَرَك، وَأُورِدَ أَنَّهَا أَنْوَاعُه، فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وقد كان المعتزلة يقتادون العقل في كل ملم، فغلبوه ونصبوه حاكمًا حتى على شرع الله، وقد تواترت أقوالهم بهذا تأليدًا وتحبيذًا، وقد ردت النصوص لذلك ما لم يجدوا لها تأويلًا يقبله العقل ويقره، وقد خشوا إظهار قالاتهم جهادًا خوفًا من العامة أن تعصف بهم. حتى تولى المأمون مقاليد الأمور (١٩٨ - ٢١٨ هـ) وقد كان مناصرًا لحرية البحث والمناظرة، وكان ميالًا للعلم به شغوفًا عالمًا بالكتاب والسنة مع ذكاء ونباهة عظيمة، فعقد الحلق والمجالس والمناظرات والمحاورات. فنتج عن ذلك بروز رأيه في بعض المسائل الخلافية، وأنه انحاز في بعضها لرأي المعتزلة، لا في كلها، وكان مما وافقهم فيه القول بخلق القرآن الكريم وقد صرح برأيه في سنة ٢١٢ هـ بزعم أنه إن ظهر رأيه للعلماء. فسيتبع فيه، غير أن الأمر قُلِبَ عليه، فتكلم الناس فيه حتى رمي بالابتداع واشتط بعضهم فسربله الكفر وكذا كل من يقول بخلق القرآن، وحينذاك اشتد وطأة النزاع بين معاشر المتكلمين والفقهاء والمحدثين، حتى حلَّ عام ٢١٨ هـ فضرب المأمون بعصى من حديد على يد من ينازعه القول؛ لِئلا يظهر ضعيفا أو يستخف به أمام الرعية وكذا كان الحال. وفي عام (٢١٨) بينما كان المأمون يغزو بلاد الروم كنب إلى عامله على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي كتابًا يقول فيه: " … وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر لهم ولا روية ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه أهل الجهالة بالله وعمي عنه وضلالة عن حقيقة دينه وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويحرفوا حق كنه صرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه، وذلك أنهم ساووا بين الحق وخلقه وبين ما أنزل الله من القرآن، فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله، ولم يخترعه، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ وكل ما جعله الله فقد خلقه، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ وقال: ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ فأخبر أنه قص لأمور أحدثه بعدها وقال: ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ والله محكم كتابه ومفصله، فهو خالقه ومبتدعه، ثم انتسبوا إلى السنة وأنهم على أهل الحق والجماعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر، فاستطالوا بذلك وغروا به الجهال حتى قال قوم من أهل السمت الكاذب في التخشع لغير الله إلى موافقتهم، فنزعوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا دين الله وليجة إلى ضلالهم - ثم أخذ يصفهم بأنهم شر الأمة وإخوان إبليس - ثم قال لعامله: فاجمع من بحضرتك من القضاة فاقرأ عليهم كتابنا وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عما يعتقدون في خلقه وإحداثه، وأعلمهم أني غير مستعين في عملي ولا أوثق من لا يوثق بدينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا، فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوف، واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك. ثم وردت من المأمون عدة كتب إلى عامله يأمره فيها بامتحان أهل الحديث=

<<  <  ج: ص:  >  >>