للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عهدهم (١) العظيمة عندهم فتخلص عنها هذان الرَّجلان، وقالا: إذا نفينا الأمر في الأزل لم تجد المعتزلة سبيلًا إلى الطعن علينا في قِدَمِ القرآن بهذه الشبهة.

وقالا: يثبت للرب - تَعَالى - صفة موجودة ويثبت لها مع وجودها وصفًا آخر أخص من وصف الوجود، وهو كونها كلامًا في الأزل، ويصرف الوصف الآخر الذي هو أخص من وصفها بالكلام، وهو الأمر والنهي إلى صفة فعل، هو خلق الله - سبحانه - في قَلْب من تعلّق إدراكه بها عند إدراكه لها العلم بأنه - سبحانه - طلب منا، فعلًا أو زَجَرَهُ عن فعل وتخلّص من إثبات أمر، ولا مأمور.

"وأورد" عليهما "أنهما" فَرَّا من مستبعدٍ إلى أبْعَدَ منه، وذلك أنهما - أي: الأمر والنهي والخبر ونحوها "أنواعه" أي: أنواع الكلام، "فيستحيل وجوده" بدون واحد منها؛ لاستحالة وجود الجنس إلَّا في أحد أنواعه، فما ذكره مؤدٍ إلي نفي الكلام.

ولئن جاز ثبوت صفة وهي الكلام عَارِيَّةٌ من حقائقها النفسية، ولوازمها العقلية جاز إثباتها عاريةً من حقيقة أخرى من حقائقها، وهى كونها كلامًا حتى يقال: هذه الصفة حاصلة لله -


= في مسألة خلق القرآن وفي بعضها يقول له:" فمن لم يجب أنه مخلوق فامنعه من الفتوى والرواية". وكذلك بعث لعامله بقتل من لم يقل بخلق القرآن، وكذلك أوصى أخاه المعتصم! بأن يسير سيرته، فأُنفذها، وكان المعتصم دون المأمون علمًا، فجعل يمتحن الناس ويقتل منهم عددًا عظيمًا وأمرا المعلمين أن يعلموا الصبيان أن القرآن مخلوق، وأهان عظام علماء أهل الحديث لا سيما أحمد بن حنبل الذي ثبت على قوله وما تزعزع. واستمرت المحنة حتى بعد تولي الواثق ابنه وقد أقام سوق المحنة سنة ٢٣١ هـ إذ أمر أمير البصرة بامتحان الأئمة والمؤذنين، وأظهر الغلظة لمن خالفه بل قتل بعض أهل الحديث. وقد حدث في الأمور أمورٌ؛ إذْ اختلط الحابل بالنابل، وانقلب القول بالحق من الباطل، وقلبت المحنة إلى منحة وفرجة؛ إذ رجع الواثق عن صنيعه الأول، وضاق برأس الفتنة أحمد بن داود وصبَّ عليه سخطه.
ولما ولي المتوكل بعد أخيه الواثق سنة ٢٣٢ هـ أظهر ميلًا عظيمًا إلى السنة المشرفة، فرفع المحنة، وكتب بذلك إلى الآفاق، فعظمت به السنة وأهلها، وانكشفت الفتنة ومحقت "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
ينظر: البداية والنهاية لابن كثير ١٠/ ٢٧٢، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ٢٤، وتاريخ الأمم الإسلامية للخضري ٢٧٩.
(١) في ت: عهدتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>