الْإِبَاحَةُ: هُو الْمُتَحَقَّقُ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ.
أُجِيبَ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْقُرْبَةِ.
وأيضًا فلم قلتم: إن الإباحة ليست أسوة حسنة، وقد تقدم أن المباح حسن.
وأيضًا فقد يقال: قوله: لكم في الآية يدلّ على الندب؛ إذ لم يقل: عليكم، فانتفى الوجوب، والمُبَاح منتفٍ؛ لأن اللازم للاختصاص بجهة النفع، والظَّاهر من الشَّرع: اعتبار النَّفع الأخروي.
والحَقُّ عندي أن هذه الآية لا تدلُّ لوجوب، ولا ندبٍ، ولا إباحةٍ كما قررته في "شرح المنهاج".
الشرح: واحتجّ من قال: "للإباحة" بأن المباح "هو المتحقق"، والأصل عدم قيد زائدٍ عليه، فوجب الوقوف عنده (١).
أجيب": إنما يكون هو المتحقق "إذا لم يظهر قصد القرينة".
أما إذا ظهرت، فالمحقق الترجيحُ.
واعلم: أن الإمام أبا المُظَفّر بن السمعاني نَصَرَ القَوْلَ بالوجوب نصرًا مؤزّرًا وقال: إنه الأشبه بمذهب الشافعي، ولكنه لم يتكلَّم إلا فيما ظهر فيه قصد القرينة؛ ولذلك لم يَحْك قول الإباحة.
وأن ما تقدم من أن ما وضح فيه أمر الجِبِلَّةِ لا دليل فيه له عندي صور:
أحدها: ما كان من هواجس النفس والحركات البشرية، كتصرُّف الأعضاء، وحركات الجسد.
قال ابنُ السَّمعاني: فلا يتعلّق بذلك أمر باتباع ولا نَهْي عن مخالفة.
قلت: مع القطع بأنه مشروع له ﷺ على ما عُرف في مسألة العصمة من أنه على الصَّواب في الحركات والسَّكنات عليه أفضَل الصَّلاة والسَّلام.
(١) هذه شبهة للقائلين بالإباحة، وتقريرها أن يقال: الأصل في الأفعال كلها - إنما هو الإباحة ورفع الحرج عن الفعل والترك إلا ما دل الدليل على تغييره، والأصل عدم التغيير، فوجب الوقوف عند ما هو المتحقق، وهو مساواة الفعل والترك؛ إذ الأصل أيضًا عدم ترجيح أحدهما على الآخر، ولهذا يخرج المندوب عن هذه الشبهة إلى أنه لا تدل عليه على ما ظن بعض الناظرين. وتوجيه الجواب أن يقال: نحن نقول بالإباحة في كل فعل لم يظهر من النبي ﵇ قصد التقرب به إلى =