للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْتِكَابُ مُحَرَّمٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنِ اسْتَبْشَرَ بِهِ فَأَوْضَح، وَتَمَسُّكَ الشَّافِعِيُّ

مبرح إقامة لصورة الواجب، وهذا هو الحق.

"وإن" كان قد "سبق تحريمه فنسخ" - أي: فسكوته نسخ للتحريم السَّابق - "وإلا لزم" أن يقع منه "ارتكاب محرم، وهو باطل"، فلا يقر على باطل وقد وصفه الله - تعالى - بقوله: ﴿النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [سورة الأعراف: الآية ١٥٧] فهو ينكر المنكر، ولو عرف أن مرتكبه لا يرجع، كما أنه يجب علينا الإنكار، وإن [علمنا] (١) أنه لا يفيد.

فإن عُلِمَ من حال مرتكب المنكر أن الإنكار يزيده إغراء على مثله.

قال ابن السمعاني: فإن كان العالم غير النبي لم يجب الإنكار، وإلا فوجهان:

أحدهما: لا يجب، وهو قول المعتزلة.

والثَّاني: الوجوب، ليزول بالإنكار توهُّم الإباحة، وهو قول الأشعرية وهو أظهر.

هذا كلام ابن السَّمْعَانيِّ، وهو [منازع] (٢) فيما أسلفناه عن الإمام.

واعلم: أن ما ذكره المصنّف من اشتراط كون النبي قادرًا على الإنكار عندي غير محتاج إليه، فقد ذكر الفقهاء أن من خصائصه عدم سقوط وجوب تغيير المنكر بالخَوْفِ على نفسه بعد إخبار ربه - تعالى - بعصمته في قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [سورة المائدة: الآية ٦٧].

وما ذكر من دلالة السكوت على أن الفعل غير محرم حقّ.

وأما الاستدلال به على خصوص الإباحة، فكان أبي أولًا يقف فيه ويقول: غاية دلالة السكوت أنه لا حَرَجَ في الفِعْلِ، فمن أين أنشأ الإباحة؟.

وذكر أنه سأل الشيخ صدر الدين بن المُرَحّل قديمًا هذا السؤال، ولم يحصل جواب، ثم كان آخرًا يقول: جوابه أنهم نقلوا أنه لا يجوز الإقدام على فعل حتى يعرف حكمه، فالفعل الذي أقدم عليه لو لم يكن مباحًا لحرم الإقدام عليه، بلا علم بحكمه. فمن هنا التقرير على الإباحة بخلاف السكوت عند السُّؤال.

قولهم: لا يجوز الإقدام حتى يعرف حكمه في غاية الإشكال، وإن كان الشافعي ادَّعى الإجماع فيها، وكذا الغزالي في "المستصفى"، فإنهم قد صَرَّحُوا بالبراءة الأصليَّة، وأنه لا حرج في الإقدام إذ ذاك؛ إذ لا حكم.


(١) في أ، ب، ح: عرفنا.
(٢) في ب، ح: ينازع.

<<  <  ج: ص:  >  >>