للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْقِيَافَةِ بِالاِسْتِبْشَارِ، وَتَرْكِ الْإِنْكَارِ لِقَوْلِ المُدْلِجِيِّ، وَقَدْ بَدَتْ لَهُ أَقْدَامُ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ : "إِنَّ هذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ".

وسمعت أبي يقول: محلّ الإجماع محمول على ما إذا أقدم بلا سبب ومحل عدم الحرج، ما إذا أقدم مستندًا إلى البراءة الأصليَّة.

وهذا أيضًا عندي فيه نظر، فإن ما لا حرَجَ في فعله لا يستدعي من فاعله أن يستند فيه إلى سبب، نعم يستدعي ألا يقدم عليه ظانًّا أن فيه حرجًا، كما يحرم إقدام الرجل على وطء زوجته ظانًا أنها أجنبية.

والذي يظهر لي في هذه القاعدة: أن المنفي في كلامهم هو الجواز الشرعي وهو [حق] (١)؛ إذ الفرض أن لا حكم فلا جواز، ولكنه إذا قدم فلا يعاقب؛ إذ لا حكم أيضًا.

وحينئذ أقول: قول أبي فالذي أقدم عليه لو لم يكن مباحًا لكان حرامًا - ممنوع، بل هو لا حرام ولا مُبَاح؛ لأن الحرام والمباح حكمان شرعيَّان مندرجان تحت مطلق الحكم، ولا حكم، فانتفيا بانتفاء الأعم منهما.

نعم قد يجاب عن السؤال من أصله بأن تقريره على الفعل يوهم الإباحة فلو لم يحكم الشرع فيه بالحل لما جاز السُّكوت؛ لما فيه من [الإيهام] (٢)، وهذا بخلاف حالة ترك الجواب عند السؤال؛ إذ لا فعل هناك واقع، والسَّائل محقق أنه ينتظر الجواب، فلا محذور في ترك الجواب، بل السكوت محمول على عدم نزول الوحي قطعًا.

فإن قلت: إذا كان لا يقر على باطل فكيف سكت عن أبي سفيان (٣) وهو يقول له في بيَت أُم


(١) في ب: جواز.
(٢) في أ، ب: الإبهام.
(٣) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو سفيان من مُسلمة الفتح، وشهد حنينًا، وأعطي من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية، وشهد الطائف واليرموك، وأبلى فيه بلاءً حسنًا، وذهبت عينه في ذلك اليوم، له أحاديث. قال ابن سعد: مات سنة اثنتين وثلاثين. وقال المدائني: سنة أربع وثلاثين.
ينظر ترجمته في: تهذيب الكمال ٢/ ٦٠٢، وتهذيب التهذيب ٤/ ٤١١، وتقريب التهذيب ١/ ٣٦٥، وخلاصة تهذيب الكمال ١/ ٤٦٦، والكاشف ٢/ ٢٦، وتاريخ البخاري الكبير ٤/ ٣١٠، وتاريخ البخاري الصغير ١/ ٤٤، ٦٩، ٧٠، ١١٢، والجرح والتعديل ٤/ ١٨٦٩، والوافي بالوفيات ١٦/ ٢٨٤، وأسد الغابة ٣/ ١٠، وتجريد أسماء الصحابة ١/ ٢٦٣، والإصابة ٣/ ٤١٢، والاستيعاب ٢/ ٧١٤، والثقات ٣/ ١٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>