للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بأَنَّ مُوَافَقَةَ الْحَقِّ لَا تَمْنَعُ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُنْكَرًا، وَإلْزَامُ الْخَصْمِ حَصَلَ بِالْقِيَافَةِ، فَلَا يَصْلُحُ مَانِعًا.

"بالاستبشار" الصَّادر من النبي "وترك الإنكار لقول" مُجَزِّز (١) - بضم الميم، وفتح الجيم، ثم الزاي المكسورة ثم زاي أخرى - "المدّلجِيّ، وقد بدت له أقدام زيد وأسامة: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض"".

ففي "الصحيحين" (٢) عن عائشة قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ اللهِ ذات يوم مسرورًا فقال: "يَا عَائِشَة، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا المُدّلجِيّ دخل عَلَيَّ فرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا روءسهما وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا" فقال: "إن هذه الأقدام بعضها من بعض"، زاد أبو داود: وكان أسامة أسود شديد السواد وزيد أبيض شديد البياض.

"وأورد" على تمسُّك الشَّافعي، فقيل: لا نسلم "أن ترك الإنكار" منه كان لجواز إلحاق النَّسَبِ بِالقِيَافَةِ، بل "لموافقة الحق" في نفس الأمر، "والاستبشار" وإنما كان لحكمها "بما يلزم الخصم" - أعني: "المنافقين" (٣) - "على أصله" - وهو إثبات النسب - بالقِيَافَةِ؛ "لأن [المنافقين] (٤) تعرَّضوا لذلك" وزعموا لسواد أسامة، وبياض زيد أنه ليس ابنه، فلمَّا كذبهم أصلهم استبشر به.

"وأجيب: بأن موافقة الحَقّ لا تمنع" من الإنكار "إذا كان الطريق" المؤدّي إلى الحق


(١) مُجَزِّز المدلجي وهو ابن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني مذكور في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل على النبيّ مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال: "ألم تر أن مجززًا المدلجي نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال: إن بعض هذه الأقدام من بعض" وفي رواية ابن قتيبة: مر على زيد وأسامة وقد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامهما". وذكر قاسم بن ثابت في الدلائل عن موسى بن هارون بن مصعب الزبيري أنه لم يكن اسمه مجززًا، وإنما قيل له ذلك، لأنه كان إذا أسر أسيرًا جز ناصيته وأطلقه، وذكره ابن يونس في تاريخ مصر.
(٢) أخرجه البخاري (٤/ ٢١٣) كتاب فضائل أصحابُ النبيّ ، باب مناقب زيد بن حارثة، ومسلم (٢/ ١٠٨١ - ١٠٨٢) كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد حديث (٣٨، ٣٩، ٤٠).
وأبو داود (٢/ ٦٩٨ - ٦٩٩) كتاب الطلاق (٢٢٦٧ - ٢٢٦٨) والترمذي، (٤/ ٤٠) في أبواب الولاء والهبة (٢١٢٩) والنسائي (٦/ ١٨٤ - ١٨٥) وابن ماجه (٢/ ٧٨٧) وأحمد (٦/ ٨٢، ٢٢٦) من حديث عائشة.
(٣) في أ، ب، ح: المناقضين.
(٤) في أ، ح: المناقضين.

<<  <  ج: ص:  >  >>