للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْرِهِ، أَوْ خُمُولهِ، أَوْ كَذِبهِ، أَوْ رُجُوعِهِ قَبْلَ قَوْلِ الآخَرِ، وَلَوْ سُلِّمَ فنَقْلُهُ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً؛ لأنَّ الآحَادَ لا تُفِيد، وَالتَّوَاتُرُ بَعِيدٌ.

وأما أصحاب القول الثَّاني فإنهم قالوا: "لو سلّم" تصور الإجماع في نفسه لم يضرنا، فإنا


= بأحكامه قسرًا، ولكنه وكلهم إلى الشريعة والعقل - وأما تقلد المفتي من السلطان ونحوه فلا يستلزم الإلزام بالفتوى اللهم إلا إذا التزم المستفتى العمل بها. ويرى الأصوليون أنه لا فرق بين المفتي والفقيه والعالم والمجتهد، وأن هذه الألفاظ مترادفة كل منها يؤدي ما يؤديه الآخر.
قال الشهاب ابن قاسم العبادي في شرح قول إمام الحرمين: "وصفة المفتي إلخ": والمفتي والمجتهد واحد - وقال في شرح قوله: "وليس للعالم أن يقلد": أي المجتهد المطلق؛ فإن المراد من العالم كالمفتي حيث أطلق، وقال أيضًا في شرح قول المحلى: "والمفتي هو المجتهد" يحتمل إرادة اتحادهما مقهومًا وإرادة اتحادهما في الماصدق. ولعل الثاني أقرب. ا. هـ.
وقال السبكي في جمع الجوامع: "والمجتهد الفقيه". قال المحلى: والفقيه المجتهد؛ لأن كلًا منهما يصدق على ما يصدق عليه الآخر. قال العطار: أي فليس هو من قبيل التعريف بل من قبيل بيان الماصدق، فتساوى الأفراد واختلف المفهوم. وفي فتح القدير لابن الهمام: قد استقر رأى الأصوليين على أن المفتي هو المجتهد، فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت، والواجب عليه إذا سئل أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية، وبه عرف أن فتوى أهل زماننا ليست بفتوى، بل هي نقل كلام المفتين. وطريق نقله لذلك عن المجتهد أحد أمرين: إما أن يكون له فيه سند إليه، أو يأخذه عن كتاب معروف تداولته الأيدي، مثل كتب محمد بن الحسن ونحوها؛ لأنه بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور، ولما كان المفتي هو القائم للناس بأمر دينهم، وكان الناس مأمورين بطاعته والعمل بفتواه. وجب أن يكون عالمًا بكتاب الله تعالى وما فيه من عموم وخصوص وناسخ ومنسوخ، ذا ملكة يقتدر بها على استنباط الأحكام، حافظًا للسنن خبيرًا بأسانيدها، بصيرًا بمتونها، فمن بلغ هذه المرتبة سمي مفتيًا وكان حقيقًا بالإفتاء لمن استفتى. ويجب مع هذا أن يكون عدلًا عفيفًا معرضًا عن الترخيص والتساهل، سالكًا بالناس طريقًا وسطًا فيما يليق بهم، فلا يذهب مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال. ولا شك أن مقصد الشارع هو حمل المكلف على التوسط حتى لا يكون خارجًا عن طاقته، فيعجز عن أدائه. كما لا يخفى أن خير الأمور أوساطها، وكل فضيلة تتحقق بين طرفي الإفراط والتفريط - ومن استقرأ نصوص الشريعة وقف على أن الحد الوسط هو الذي عرف من صفة رسول الله في قوله وفعله وكذا صحابته من بعده. فقد رد التبتل، وقال لمعاذ حين أطال في الصلاة بالناس: "أفتّان أنت با معاذ" وقال: "يأَيُّها الناس إن منكم منفرين .. الحديث" وقال: "عليكم بما تطيقون" وعلى هذا يكون الميل إلى الرخص في الفتيا مخالفًا لقصد الشارع كما أن التشديد مضاد لسلوك التوسط.
فما بال قوم ينتمون إلى العلم يتعلق الواحد منهم بالخلاف في المسائل العلمية، ويتحرى القول الذي=

<<  <  ج: ص:  >  >>