للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُحِيلُ إِجْمَاعَ هذَا الْعَدَدِ الْكَثيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى قَطْعٍ فِي شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَاطِعٍ فَوَجَبَ تَقْدِيرُ نَصٍّ فِيهِ.

واعلم أن المصنّف انفرد بدليلين رآهما قاطعين، وسلك فيهما غير طريق الآمدي، ونحن لا نرتضيهما.


= والصحيح وعليه الجمهور أن حجية الإجماع قطعية، أي أن إفادته للحكم قطعية، وذلك يتوقف على قطعية الأدلة الدالة على حجية الإجماع وعلى قطعية ثبوت الإجماع. وقال الإمام الرازي والآمدي: إن حجية الإجماع ظنية. قال السبكي في جمع الجوامع والجلال المحلى شارحه: والصحيح أنه قطعي فيها حيث اتفق المعتبرون على أنه إجماع كأن صرح كل المجمعين بالحكم الذي أجمعوا عليه من غير أن يشذ منهم أحد؛ لإحالة العادة خطأهم جملة، لا حيث اختلفوا في كونه إجماعًا كالسكوتي المجرد عن القرائن التي تدل على الرضا، وما ندر مخالفه فهو على القول بأنه إجماع محتج به ظني للخلاف فيه. وقال الإمام الرازي والآمدي: إنه ظني مطلقًا؛ لأن المجمعين عن ظن لا يستحيل خطؤهم، والإجماع عن قطع غير متحقق ا. هـ. وعبارة الجلال في الاستدلال لمذهب الرازي والآمدي تفيد أن الظنية مبنية على احتمال أن سند المجتهدين ظني. وتوضيح الاستدلال أنه يحتمل أن كل واحد من المجتهدين بظن الحكم؛ لأن دليله ظني، ويحتمل أن يقطع به؛ لأن دليله قطعي، فإذا علم الإجماع علم إفادة الحكم على ما هو عليه، وهو كونه محتملًا للقطع والظن، وهذا يؤول إلى أنه مظنون … واعترض الشربيني على هذا البناء بما يفيد أن الدليل الدال على حجية الإجماع يدل على أن الحكم حق مطابق للواقع، سواء أكان مظنونًا لكل مجتهد قبل علمه بالإجماع أو مقطوعًا، فالإجماع يصير معلومًا ومجزومًا به. فالحق أن قولهما بالظنية مبني على ظنية الأدلة الدالة على حجية الإجماع، وهذا يفهم من كلام الرازي والآمدي وكثير من المصنفين.
ومما تقدم يعلم أن ما أفاده صاحب التحرير وصاحب المسلم من أن كون حجية الإجماع قطعية لم ينازع فيها أحد من أهل القبلة مخالف لما ذكره السبكي. وجعل بعض الحنفية الإجماع بالنسبة لجاحده (أربع مراتب): إجماع الصحابة نصًا؛ لأنه لا خلاف فيه بين الأمة؛ لأن العترة وأهل المدينة يكونون فيهم، ثم الذي ثبت بنص البعض وسكوت الباقين؛ لأن السكوت في الدلالة على التقرير دون النص .. ثم إجماع من بعدهم على حكم لم يظهر فيه خلاف من سبقهم؛ لأن النبي رتب القرون في الخيرية فقال: "خير القرون قرنى" الحديث. وحجية الإجماع مبنية على الخيرية؛ فتكون حجية إجماع غير الصحابة بعد حجية إجماع الصحابة .. ثم على ما ظهر فهه خلاف من سبقهم؛ لأن فيه خلافًا بين الفقهاء. وعلى هذا الترتيب درج غير واحد من الحنفية، وحكوه عن محمد بن الحسن رحمه الله تعالى … وجرى بعض الحنفية على جعل الإجماع مراتب ثلاثة: إجماع الصحابة نصًا إذا لم يعتبر فيه خلاف منكره، فصار قطعيًا. والثانية: إجماع من بعدهم؛ إذ فيه خلاف ضعيف؛ فنزل=

<<  <  ج: ص:  >  >>