وقال الشوكاني في إرشاد الفحول: اختلف الفائلون بحجية الإجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية؛ فذهب جماعة منهم إلى أنه حجة قطعية، وبه قال الصيرفي وابن برهان، وجزم به من الحنفية الدبوسي وشمس الأئمة. وقال الأصفهاني: إن هذا القول هو المشهور وأنه يقدم الإجماع على الأدلة كلها، ولا يعارضه دليل أصلًا، ونسبه إلى الأكثرين، قال: بحيث يكفر مخالفه أو يضلل ويبدع وقال جماعة منهم الرازي والآمدي: إنه لا يفيد إلا الظن. وقال جماعة بالتفصيل بين ما اتفق عليه المعتبرون؛ فيكون حجة قطعية وبين ما اختلفوا فيه كالسكوتي وما ندر مخالفه؛ فيكون حجة ظنية. وقال البزدوي وجماعة من الحنفية: الإجماع مراتب، فإجماع الصحابة مثل الكتاب والخبر المتواتر، وإجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأحاديث. والإجماع الذي سبق فيه الخلاف في العصر السابق بمنزلة خبر الواحد، فهذه أربعة مذاهب ا. هـ. قد علم مما مر أن قطعية الإجماع متوقفة على قطعية ثبوته، فالقائلون بالقطعية لا يتصور عقلًا أن يقولوا: إنه قطعي الحجية حتى ولو كان ظني الثبوت؛ إذ يلزم من ظنية الثبوت ظنية الحجية، فكلامهم مقيد بما إذا ثبت قطعًا، وحينئذ يكون هذا القول موافقًا للقول الثالث الذي هو قول الجمهور، وهو القول بالتفصيل بين قطعي الثبوت فيكون قطعيًا، وبين ظني الثبوت فيكون ظنيًا. وعلم أيضًا أن الحنفية الذين قسموا الإجماع إلى مراتب لا يخالفون الجمهور كما تقدم، وحينئذ يرجع هذا الخلاف الرباعي الذي ذكره الشوكاني إلى خلاف ثنائي حاصله أن حجية الإجماع قطعية عند الأكثر، ظنية عند الرازي والآمدي، والقائلون بالقطعية يقيدون ذلك بما إذا كان الثبوت قطعيًا. والله علم.