واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾. وقد استدل بها صاحب التوضيح فقال في وجه الاستدلال: الآية تدل على وجوب اتباع كل قوم طائفة المتفقهة، فإن اتفق الطوائف على حكم لم يوجد فيه وحي صريح، وأمروا أقوامهم به يجب قبوله، فاتفاقهم صار بينة على الحكم، فلا يجوز المخالفة بعد ذلك لما ذكرنا ا. هـ. وحاصله أنه لو لم يكن إجماع الطوائف حجة لجازت مخالفته لمن بعدهم لكنها لا تجوز؛ إذ لو جازت لم يكن إجماعهم بينة على الحكم، لكنه بينة على الحكم؛ إذا لو لم يكن بيِّنة لجاز لكل قوم مخالفة طائفته المتفقهة لكن جواز المخالفة باطل للآية. وأورد عليه صاحب التلويح إيرادين: الأول: أن هذا الدليل لا ينتج المطلوب؛ إذ المطلوب كونه حجة على المجتهدين حتى لا يسعهم مخالفته؛ والدليل لا يفيد إلا أن ما اتفق عليه طوائف الفقهاء حجة على غير الفقهاء. وأجاب عنه بعض الكاتبين على التلويح بأن كونه حجة علي المجتهدين ثابت بما أشار إليه صاحب التوضيح بقوله: فلا تجوز المخالفة بعد ذلك؛ لما ذكرنا. الثاني: سلمنا أنه ينتج الحجية إلكن لا ينتج القطع بها؛ فإنه استدل بوجوب العمل، وهو لا يستلزم القطع. واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ وقد استدل بها صاحب التوضيح فقال في وجه الاستدلال: لا شك أن الأحكام التي ثبتت بصريح الوحي بالنسبة إلى الحوادث قليلة غاية القلة، فلو لم يعلم أحكام تلك الحوادث من الوحي الصريح وبقيت أحكامها مهملة لا يكون الدين كاملًا، فلا بد من أن يكون للمجتهدين ولاية استنباط أحكامها من الوحي؛ فإن استنبط المجتهدون في عصر حكمًا واتفقوا عليه يجب على أهل ذلك العصر قبوله، فاتفاقهم صار بيِّنة على ذلك الحكم؛ فلا يجوز بعد ذلك مخالفتهم؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ا. هـ. قال صاحب التلويح: حاصله أن الله تعالى حكم بإكمال دين الإسلام، فيجب ألا يكون شيء من أحكامه مهملًا، ولا شك أن كثيرًا من الحوادث مما لم يبين بصريح الوحي؛ فيجب أن يكون مندرجًا تحت الوحي بحيث لا يصل إليه كل أحد، وحينئذ إما ألا يمكن للأمة استنباطه وهو باطل؛ إذ لا فائدة في الإدراج أو يمكن لغير المجتهدين منهم خاصة وهو باطل بالضرورة؛ فتعين استنباطه للمجتهدين، وحينئذ إما أن يستنبطه قطعًا ويقينًا كل مجتهد وهو باطل؛ لما بينهم من الاختلاف، أو جميع المجتهدين إلى يوم القيامة وهو أيضًا باطل؛ لعدم الفائدة؛ فتعين استنباط جمع من=