للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عن الخطأ لما جعلها العليم الخبير عدلًا، لكنه جعلها عدلًا حيث وصفها بكونها وسطًا، والوسط العدل، ويدل عليه النص واللغة (أما النص) فقوله تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ أي أعدلهم وقوله : "خير الأمور أوساطها" (وأما اللغة) فقد قال الشاعر:
هُمُو وسط يرضى الأنام بحكمهم
أي عدول، وقال الجوهري: الوسط من كل شيء أعدله قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي عدولًا ا. هـ. وإذا ثبت وصفهم بالعدالة وجبت عصمتهم عن الخطإ قولًا وفعلًا، صغيرة وكبيرة؛ لأن الله تعالى يعلم السر والعلانية، فلا يعدلهم مع ارتكابهم بعض المعاصي، بخلاف تعديلنا؛ فإنه قد لا يكون كذلك؛ لعدم اطلاعنا على الباطن، وإذا كانوا معصومين عن الخطإ كان إجماعهم حجة؛ وهو المطلوب.
الوجه الثاني: لو لم يكن إجماع الأمة حجة لما كانوا صادقين فيما أخبروا لكنهم صادقون إذ لو لم يكونوا صادقين ما حكم العليم الخبير بأنهم صادقون، لكنه حكم بذلك حيث وصفهم بكونهم شهداء، والشاهد اسم لما يخبر بالصدق حقيقة، والكاذب لا يسمى شاهدًا على الحقيقة؛ فدل على أنهم عند الاجتماع صادقون فيما أخبروا؛ فإن الحكيم لا يحكم بكونهم شهداء وهو عالم بأنهم يقدمون على الكذب فيما يشهدون؛ فثبت أنهم لا يقدمون إلا على الحق حيث وصفهم بما؛ وصفهم فيكون إجماعهم حجة؛ وهو المطلوب.
واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ ووجه الاحتجاج بها أن يقال: مخالفة الإجماع تفرق، وكل تفرق منهي عنه: فتكون مخالفة الإجماع منهيًا عنها، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته. قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ وقد جعل الإمام الرازي محل الاستدلال قوله تعالى: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ فقال: اعلم أن قوله تعالى: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة، والدليل على ذلك أن الله تعالى أمر بطاعة أولى الأمر على سبيل الجزم والقطع في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصومًا عن الخطإ؛ إذ لو لم يكن معصومًا عن الخطإ كان بتقدير إقدامه على الخطإ يكون قد أمر الله بطاعته، فيكون ذلك أمرًا بفعل ذلك الخطإ، والخطأ لكونه خطأ منهي عنه؛ فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنه محال. فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم؛ وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصومًا عن الخطإ؛ فثبت قطعًا أن أولي الأمر المذكورين في هذه الآية لا بد وأن يكونوا معصومين، ثم نقول: أولئك المعصومون إما مجموع الأمة أو بعض الأمة لا جائز أن يكونوا يعض الأمة؛ لأنا بينا=

<<  <  ج: ص:  >  >>