ولقد أطلنا في "التعليقة" في مسألة السُّكوتي، وذكرنا: ما لو رحل ذو الهمة لسماعة من بلد إلى بلد يحمد مَسْعَاه، وقد أوردنا هنا طرفًا صالحًا منه.
فإن قلت: إذا تمهّد من أصولكم أن السُّكوتي دليلٌ يحتج به، فما بالكم تُنكرون مسألتين قام فيهما الإجماع السكوتي؟
إحداهما: مسألة المبتوتة بالثلاث في المَرَضِ، فإن أصحّ القولين عندكم أنها لا ترث، وقد وَرّث عثمان ﵁ تَمَاضُر بنت الإصبغ من عبد الرَّحمن بن عوف، وقد طلَّقها آخر تطليقاتها الثلاث، وتوفي وهي في العِدَّة.
والثانية: إذا وجب القصاص لصغير وكبير، فإنكم تقولون: لا يجوز للكبير أن يستوفي حتَّى يبلغ الصَّغير، ويجتمعا على طلب الاستيفاء.
والحسن بن علي ﵁ قتل ابن ملجم قاتل علي - كرّم الله وجهه - ولم ينتظر بلوغ الصِّغار.
ولا عُرِفَ لعثمان مخالف في الأولى، ولا للحسن في الثانية فما صحتكم في المخالفة؟.
قلت: أما مسألة المَبْتُوتة (١)، فلم يقع إجماع سُكوتي، ولقد قال ابن الزبير: إذ ذاك لو كان الأمر إليَّ لما ورثتها.
وكان رأي عبد الرحمن بن عوف: أنها لا ترث.
فالمسألةُ خلافيةٌ بين الصَّحابة ﵃، فأين السكوتي؟ وعلى تقدير التنزل
(١) اتفق أهل العلم على أنه لو طلق امرأته طلاقًا رجعيًا، ثم مات أحدُهما قبل انقضاء العدَّة يرثُه الآخَر، أما إذا أبانها في مرضه، فإن ماتت المرأة قبله، فلا ميراث له، وإن مات الزوج، فاختلف أهل العلم في توريثها، فذهب جماعة إلى أنه لا ميراث لها؛ لأنَّ الميراث بسبب النكاح، وقد ارتفع كما لو أبانها في حالة الصحة ينقطع الميراث، وهو قول عبد الرحمن بن عوف، وابن الزُّبير، وإليه ذهبَ الشَّافعي في أظهر قوليه. وذهب جماعة إلى أنها ترثه، وهو قول عثمان وعلي، وبه قال الزهري ومالك، وابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي، ثم عند مالك ترث، وإن كان بعد انقضاء عدتها، ونكاح زوج آخر، وعند ابن أبي ليلى ترث ما لم تنكح، وعند أصحاب الرأي ترث ما دامت في العدة. وإن مات الزوج بعد انقضاء عدتها، فلا ميراث لها، وقال الشعبي: ترثه، فقال ابن شبرمة: تزوج إذا انقضت عدَّتها؟ قال: نعم، قال: أرأيت إن مات الزَّوج الآخَر، فرجع عن ذلك.