للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مذهب مستشكل جدًّا، وقد حاد عنه طَوَائف من متقدّميهم ومتأخريهم كما عرفت.

فنقول: اعلم أن أصحابنا قائلون بأنه لا يتصوّر انعقاد الإجماع بعد تقدم خلاف مضى عليه أصحابه مُدَّة غير كافلين عن الحادثة، بل باحثين عنها، وقد مضت مدة تقضي العادة بالاطّلاع في مثلها مع ذلك البَحْث على أنه لو كان ثَمّ دليل يوجب رجوع الجَمِيع إلى أحد ذَيْنك القولين لظهر فلمَّا مضت هذه المُدَّة مع شِدَّة التفحُّص كانت العادة مانعة من إجماع بعد.

وهذا هو المختار عندي، بيد أني أقول: لا اعتبار عندي في ذلك بانقراض العصر، حتى أجوِّز رجوع إحدى الطَّائفتين إلى الأخرى مطلقًا، وامتنع انعقاد إجماع العصر الثَّاني مطلقًا.

ولا أظن ذلك مذهبنا، بل المختار الذي أعتقده رأيًا، وأظنه مذهب أئمتنا: أن الاعتبار في ذلك بمضي مثل هذه المُدَّة مع تَذْكار الواقعة وتَرْدَاد البَحْث، فمتى حصل امتنع الإجماع بعده عادة سواء [أكان] (١) المختلفون أولًا، هم أهل عصر مضى عليهم وطرأ عصر آخر - وذلك هو الأغلب في [مثل] (٢) هذه المدَّة - أم كانوا هم بأعيانهم - وذلك نادر - إذ مثل هذه المدَّة لا تقع إلا وقد انقرض عادة أهل العصر أو غالبهم.

وهذا - والله أعلم - هو السَّبب في التفرقة بين المسألتين؛ حيث قيل في هذه إنها دون التي بعدها.

والذي يظهر: أنه لا فَرْقَ بين العصرين، وإنما النظر في المُدَّة.

فإذًا مختارنا: أن هذه المدَّة متى حصلت على خلاف استقرّ عليه أصحابه امتنع عادة انعقاد الإجماع على أحد القولين.

ونقول: لو وقع لكان حُجَّة، ولكن الشأن (٣) في وقوعه فإن القواعد (٤) تمنعه.

وأيضًا فالأقوال لا تموت بموت قائلها، فكأن الخلاف باقٍ وإن ذهب أهله، ولو مات القول بموت قائله مات قول المجمعين جميعًا بموتهم، وجاز أن يتعقّب إجماعٌ إجماعًا ويتصادمان، فهذان مأخذنا فيما ذهبنا إليه.

وهذا الذي قلته هو مقتضى كلام إمام الحرمين، أو صريح قوله حيث قال: الرَّأي الحق


(١) في ب: كان.
(٢) سقط في ح.
(٣) في ح: النسيان، وهو تحريف.
(٤) في ح: العوائد، وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>