وأنت أيها النَّاظر إذا انتهى بك التَّفهُّم فيما ألقيته إليك إلى هنا علمت أن الأكثرين حَدُّوا الخبر بما يحتمل الصِّدق والكذب، أو ما يدخله الصِّدق والكذب، ومرادهم: قبوله لهما معًا والقَبُول في حالة واحدة، وهو ملازم لكونه خبرًا، فحيث وجد احتمال الصدق والكذب من حيث هو خبر.
وقد تعرض له ما يعيّن أحد محتمليه من وقوعه في كلام الصادق، أو غير ذلك، وعلمت أن القاضي قال: هذا صحيح، ولكن ربما أوهمت لفظة "الواو" اجتماع نفس الصدق والكذب، لا قَبُولهما، وذلك مجرد إيهام، ولا يصل إلى حد اللزوم.
وإنما الحدود مراد بها الإيضاح، فينبغي إزالة هذا الإيهام، والإتيان بلفظ "أو".
وأن إمام الحرمين قال: الأمر في هذا قريب، فإن إرادة القَبُول دون المقبول فيه ظاهرة، وكذلك ابن السَّمعاني.
وأنَّا قُلْنا: بل الإتيان بلفظ "أو" قد يقال: إنها تفسد الحدّ بما أسلفناه. وأن المتأخرين فهموا أن الذي اعترض على هذا التعريف بهذا الاعتراض - وهو القاضي - ذكر أنه يستلزم اجتماع الصدق والكذب - ومنهم (١) المصنّف وليس كذلك، وإنما قُصَارى ما ذكره أنه يوهم ولا شكّ فيه، وإنما عارض إيهامه إيهام "أو" أيضًا فاستويا، وتترجّح "الواو" بما سبق.
ويعلم بهذا أن جواب عبد الجَبَّار، وقوله: يصح دخولهما لُغَةً، غير محتاج إليه؛ لأن المراد قبول دخولهما إلا نفس دخولهما.
ونحن في "شرح المنهاج" جرينا على كلام القَرَافِيّ وقلنا: اشتبه على إمام الحرمين تنافي القَبُولين بتنافي المَقْبُولين، وليس كذلك، والصَّوابُ ما ذكرناه هنا.
ومن إمام الحرمين أخذنا أن تنافي القَبُولين غير تنافي المَقْبُولين - كما رأيت ذلك في كلامه - وبالله العصمة.
واعلم أن قولنا:"المقبولين": عبارة تبعنا فيها القرافي، والصواب في التعبير أن يقال: قبول الشَّيئين، فالقبول واحد متعلّق بشيئين، والمقبول شيئان.