للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَصوَّرَ مَبَادِئَهُ الَّتي لا بُدَّ مِنْ سَبْقِ مَعْرِفَتِهَا فِيهِ؛ لإِمْكانِ البِنَاءِ عَلَيْهَا". وقَبْل الخَوْض فِي تَعْرِيفِ عِلْمِ أصُولِ الفِقْه نتكَلَّم عن ظُهُور اسْتِعْمال هذا اللَّفْظ.

ممَّا لا شكَّ فيه أن المعاجمَ العربيَّة كـ "الصِّحاحِ" و"المُحْكم" و"المُخصَّصِ" و"المُجْمَل" و"مقاييس اللُّغة" و"لسان العرب" و"القاموس" و"تاج العروس" - قد عرَّفت لفظتَي "أُصُولٍ"، و"فِقْهٍ" واسْتعملَتْها اللُّغةُ العربيَّة كثيرًا جدًّا، بَيْدَ أن لَفْظ "أصولِ الفِقْهِ" أي: هذا اللَّفْظُ المركَّب بدأ يظْهَر في غضُون القَرْن الثَّانِي الهجْريِّ تقريبًا.

ويدلُّنا على ذلك أن أبا يوسُفَ (١٨٢ هـ) وهو صَاحِبُ الإِمام أبي حنيفةَ قد اسْتَعْمَلَ هذا اللَّفْظ. ولكي يتَّضحَ لَنَا استعمالُ هذا اللَّفْظِ المركَّبِ ننْقُل نصَّه كما جاء في كتاب "الرَّدِّ على سِيَرِ الأَوْزَاعِيِّ".

قال أبو حنيفة : "يُضْرَبُ لِلْفَارِسِ بِسَهْمَيْنِ: سَهْمٍ لَه، وَسَهْمٍ لِفَرَسهِ، وَيُضْرَبُ لِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ".

وقال الأوزاعيُّ: "أسهمَ رسُولُ الله للفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ، ولصاحِبِهِ بسَهْمٍ، وأخذ المُسْلِمُون بعْدَه إِلَى اليَوْم لا يخْتَلِفُون فيه".

وقال أبو حنيفة: "الفرسُ والبِرْذَوْنُ سواءٌ".

وقال الأوزاعيُّ: "كان أئمَّة المُسلمين فيما سَلَف حتَّى هاجت الفتنة من بَعْدِ قتْلِ الوليد بْن يزيدَ لا يُسْهِمُونَ للبَرَاذِين".

قال أبُو يُوسُفَ: كان أبو حنيفة يكْرَه أن تُفضَّل بهيمةٌ على رجُلٍ مسْلِمٍ، ويُجعل سهْمُها في القَسْم أكْثَرَ مِن سَهْمِه، فأمَّا البراذِين، فما كنْتُ أحْسَبُ أحَدًا يجْهَل هذا، ولا يُميِّز بين الفَرَس والبِرْذَوْن، ومن كلام العرب المعروف الَّذِي لا تختلِفُ فيه العربُ أن تقول: هذهِ الخَيْل، ولعلَّها بَرَاذِينُ كُلُّها أو جلُّها، ويكون فيها المَقَارِيفُ أيضًا.

وممَّا نَعْرِف نَحْن فِي الحَرْب أن البرَاذِينَ أوْفقُ لكثيرٍ من الفُرْسان من الخيل في لِينِ عَطْفها، وتَوَدُّدِها، وجَوْدَتِها، ممَّا لم يُبْطِل الغاية.

وأما قول الأوزاعيِّ: "على هذا، كانَتْ أئمَّة المُسْلِمِين فيما سلَفَ"، فهذا كما وصَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>