من أهْل "الحجاز"، أو رأى بَعْض مشايخ "الشَّامِ" ممن لا يُحْسِن الوضوء، ولا "أصول الفقه" …
هذا نصُّ كلام أبي يُوسُف ﵀ وهو لم يحدِّدْ بوضوحٍ مرادهُ بقوله:"أُصول الفِقْهِ".
وقد يُحتَمَلُ أنَّه أراد به عدَمَ معرفةِ قَوَاعدِ الاسْتِنْباطِ والاجتِهادِ والفتوى؛ ولا ينبغي الاعتمادُ على قولهم. وإِذا صحَّ قولهم، فإِن أبا يُوسُفَ ﵀ قد ألْمَحَ إِلى مفهوم "أصولِ الفِقْهِ" كما هو معروفٌ لدى المتأخِّرين (١).
ومن الواضح أن هذا الاحتمال لا يستند إِلى دليلٍ قَوِيٍّ بل هو مُجرَّدُ ظنٍّ.
وتبيَّن مِمَّا سُقْناه أنَّ اسْتِعْمالَ لَفْظ "أُصُول الفِقْهِ" قد ظَهَر فِعْلًا في القَرْن الثَّاني الهِجْريِّ، ولكن لم يَظْهَر اسْتِعْمال "أصول الفِقْه" كما هو معرَّف عند المتأخرين حتَّى بداية القَرْنِ الثَّالِثِ الهجريِّ وانتهائه.
ولكي نتبيَّن، كَيْفَ عرَّفه المتأخِّرُون، فلنرجع إِلى أقوالهم الَّتي تنوَّعت وتعدَّدت، فعرَّفه بعْضُهم بالمَعْنَى المركَّب أوَّلًا، أي: بمعنى أنه مركَّبٌ إِضافيٌّ يدل جزْؤُه على جزْءِ معناه، ولكي يُفْهَم معناه المَقْصُود منه لا بُدَّ من فَهْم كُلِّ جزء من جُزْأَيْه.
واكْتَفَى بعضُهُم على تعريفهِ بِالمَعْنَى اللَّقَبِيِّ؛ اقتصارًا بذلك على المَعْنى المقصود بالذات، وممَّن نحا هذا المَنْحى القاضي البَيْضَاوِيّ، وتاج الدِّين، وصَدْر الشَّرِيعة. ومنهم مَنْ عرَّفه بالمعنَيَيْنِ، وكان غَرَضُه في ذلِكَ التعرُّضَ لبيان معنى أجْزَائِهِ.
وممَّن نحا هذا المَنْحى سيْفُ الدِّينِ الآمِدِيُّ، وأبُو عَمْرو بْنُ الحَاجِبِ، والكمالُ بنُ الهمام كما في "تحْريره"، والغزاليُّ في "المُسْتَصْفَى" ولمعرفة حقيقة ذلك نتناوَلُ تعريف "علْم أصُول الفقه" لنخرج بتصوُّر عِلْم أصُول الفقه، كما هو معرَّفٌ لدى علماء الأُصُول.