والسّر فيه: أنهم أسندوا ذلك إلى دليل، فكيف يكونون هم لا يعلمون ما يخبرون عنه بالضرورة، وهم أصل في هذا الخبر، ثم يعلمه ضرورة من سمعه منهم وهو كالفرع عنه، فيصير الفرع أقوى من أصله.
والثالث: أن يكونوا "مستوين في الطرفين والواسطة" تعددًا يمنع التواطؤ على الكذب، واستنادًا إلى الحس، "و" كونهم "عالمين" بما أخبروه لا ظانين أو مُجَازفين - صرح باشتراطه القاضي في "مختصر التقريب" وغيره.
قال المصنّف: إنه "غير محتاجٍ إليه؛ لأنه إن أريد" علم "الجميع فباطل"؛ لجواز أن يكون بعضهم ظانًّا، ومع ذلك يحصل العلم.
وعندي هنا وَقْفَة، فقد يقال: إن العلم لا يحصل إلا إذا علم الكُلّ.
"وإن أريد علم بعض فلازم مما (١) قيل" في الشرط الثاني؛ لأنَّ الاستناد إلى الحس يوجب أن يكون المحسون عالمين به.
"وضابط العلم بحصولها" - أي: حصول هذه الأمور المشترطة - "حصول العلم" بصدق الخبر المتواتر، وإذا حصل العلم بصدقه علم اجتماع الشَّرائط، "ألا إن ضابط حصول العلم" بصدق المتواتر، "سبق العلم بها"، فقد يحصل العلم بصدق المتواتر وإن لم يتقدمه حصول العلم بهذه الأمور.
الشرح:"وقطع القاضي بنقص الأربعة" عن حد التواتر - ونصّ على ذلك في "مختصر التقريب" - وهو رأي أكثر أصحابنا؛ كما نقله ابن السَّمعاني، "وتردد في الخمسة"، هل تصلح لإفادة العلم؟
وأكثر أصحابنا لم يترددوا، بل قالوا: إنها صالحة، ثم لا يقول أصحابنا: كل خمسة تفيد، بل يقولون: باختلاف الوقائع والأحوال.
(١) في حاشية ج: قوله: "مما قيل" قال العضد: أي بما ذكرنا من القيود الثلاثة عادة؛ لأنها لا تجتمع إلا والبعض عالم قطعًا.