وأما مذهب السادة الحنابلة فقال في شرح الإقناع العلامة الشيخ منصور البهوتي رحمه الله تعالى: ويحرم على القاضي قبول رشوة - بتثليث الراء - لحديث ابن عمر - رضي الله تعالى - عنهما: لعن رسول الله ﷺ الراشي والمرتشي. قال الترمذي: حسن صحيح. ورواه أبو بكر في زاد المسافر، وزاد: الرائش: وهو السفير بينهما، وهي أي الرشوة ما يعطي بعد طلبه لها، ويحرم بذلها من الراشي ليحكم له بباطل، أو يدفع عنه حقه. وإن رشاه ليدفع عنه ظلمه ويجريه على واجبه فلا بأس به في حقه، قال عطاء وجابر بن زيد والحسن: لا بأس أن يصانع عن نفسه؛ ولأنه يستفيد ماله كما يستفيد الرجل أسيره، ويحرم قبوله أي القاضي هدية؛ لما روى أبو سعيد قال: بعث النبيّ ﷺ رجلًا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فقال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، فقام النبيّ ﷺ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي؟ ألا جلس في بيت أبيه فينظر أهدي إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا نبعث أحدًا منكم فيأخذ شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه فقال: اللهم بلغت .. ثلاثًا. وقال كعب الأحبار: قرأت فيما أنزل الله تعالى على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكم. بخلاف مفت فلا يحرم عليه قبول الهدية، وهي - أي الهدية - الدفع إليه ابتداء من غير طلب، وظاهره أنه يحرم على القاضي قبول الهدية ولو كان القاضي في غير عمله؛ لعموم الخبر، إلا ممن كان يهدى إليه قبل ولايته، إن لم يكن له أي المهدى حكومة لأن التهمة منتقية لأن المنع إنما كان من أجل الاستمالة أو من أجل الحكومة، وكلاهما منتف أو كانت الهدية من ذي رحم محرم منه أي من الحاكم؛ لأنه لا يصح أن يحكم له. هذا واضح في عمودي نسبه، دون من عداهم من أقاربه، مع أنه يحتمل أن يهدى لئلا يحكم عليه. (١) في ح: لا يدفعه.