للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالُوا: لَوْ لَمْ يَجِبْ لَخَلَتْ وَقَائِعُ.

وفيه نظر؛ لأن القائل بالعَقْلِ يوجب الاعتماد على المفتى بالعقل أيضًا، فلم يقس إلا عقليًّا على عقلي في معتقده.

الشرح: "قالوا": في الاستدلال على وجوب العمل بخبر الواحد أيضًا (١): "لو لم يجب لخلت وقائع" عن حكم الله تعالى؛ لأنَّ القطعيات غير وَافِيَةٍ بضبط الحادثات، وخلوّ واقعة عن حكم الله - تعالى - لا سبيل إلى القول به.

"ورد بمنع الثَّانية"، وتجويز خلوّ بعض الوقائع عن حكم.

قال الآمدي: وذلك عند فقد الدَّليل بعد تطلُّبه.

وقد يستشهد لخلوّ بعض الوقائع بما ذهب إليه إمام الحرمين، من أنه لا حكم على من توسّط جمعًا من الجَرْحَى، وعلم أنه لو بقي على صَدْرِ واحد منهم لهلك، ولو انتقل عنه لم يجد موضع قدم إلا بدن رجل.

ونظائرُ هذا كثيرة، نجدها في كل مفسدتين تَسَاوَيَا من كل وجه - وربما ذكر الأصحاب فيها لفظ التَّخيير، وهو ما ذكره الغَزَالي في الولى لا يجد من اللَّبَن إلا [ما] (٢) يسدّ رمق أحد رضيعيه، ولو قسم عليهما ماتا، وإن أطعم أحدهما مات الآخر.

والمرادُ بالتَّخيير: أنه لا حكم أيضًا؛ إذ لا تكليف؛ لأن الله شرع التخيير بخصوصه.

واعلم أن هذا المَنعْ لا ينقدح، والصَّواب عندي أن لله في كلّ واقعة حكمًا معينًا، وكل ما يورد من الصّور، فنحن نقول لله - تعالى - فيه حكم، ونحن لم نطّلع عليه، ومن توسَّط جمعًا من الجَرْحَى لم يطّلع على الراجح منهم من المرجوح، وإن كان اللّه - تعالى - حكم في نفس الأمر بذلك.


(١) وليس لقائل أن يقول: غاية ما ذكرتموه إنما يدل على جواز العمل بخبر الواحد لا الوجوب الذي هو محل النزاع؛ لأنه وإن سلم أنه لا يدل إلا على الجواز فيلزم المطلوب أيضًا؛ لعدم القائل بالفصل؛ إذ كل من قال بالجواز قال بالوجوب سمعًا، وإن اختلفوا في وجوبه عقلًا كما تقدم، أو لأن كل من قال بالجواز العقلي قال إما بوجوب العمل به، وإما بحرمته، وإذا انتفت الحرمة للجواز تعين الوجوب. ينظر: الشيرازي ٢٥٠ أ/ خ.
(٢) سقط في أ، ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>