لو أخر الطلب ثم قال: تم أصدق المخبر" وقد أخبره رجلان عدلان، أو رجل وامرأتان بصفة العدالة، أو واحد مقبول الرواية ولو عبدًا، أو امرأة، أو جمع كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عادة ولو كفَّارًا، بطلت شفعته؛ لأن شهادة الشاهدين مقبولة، وخبر مقبول الرواية مقبول في الأخبار، وخبر الجمع المذكور مفيد للعلم، فكان من حقه أن يعتمدهم. وقبل: يعذر في عدم قبول خبر الواحد؛ لأن البيع لا يثبت بواحد ولو عدلًا، إلا منضمًا إلى اليمين، فلو قال في الأولين: جهلت ثبوت العدالة، وكان مثله يجوز أن يخفى عليه لم يبعد قبول قوله؛ لأن رواية المجهول لا تسمع. قاله ابن الرفعة. ولو قال: "أخبرني رجلان، وليسا عدلين عندي، وهما عدلان، لم تبطل شفعته؛ لأن قوله محتمل، ولو كانا عدلين عنده دون الحاكم، بأن علم أنهما غير عدلين عنده، ولم يقع في قلبه صدقهما، عذر في عدم تعويله على إخبارهما. قاله السبكي؛ لأنه ربما احتاج إلى إثبات الشراء عند الحاكم، وذلك لا يحصل بغير العدلبن عنده، واعترض بأنه بعد كونهما عدلين عنده كيف لا يقع في قلبه صدقهما؟. والجواب: أن مجرد العدالة لا يمنع من جواز الإخبار بخلاف الواقع، فذلك مجرد كذب، والكذبة الواحدة لا توجب فسقًا. قاله الرملي، فلا تنافي العدالة. وخرج بمقبول الرواية غيره، كصبي ومجنون وفاسق، إلا أن يصدقه، فتسقط شفعته؛ لأن ما يتعلق بالمعاملات يستوي فيه خبر الفاسق وغيره، إذا وقع في النفس صدقه، وهذا كله في الظاهر، أما في الباطن فالعبرة بما يقع في نفسه، من صدق وضده، ولو من فاسق وغيره. قاله الماوردي. ولو تردد في ظاهر العدالة فترك، لم يسقط حقُّه، ولو أخبر مستوران ولم يصدقهما عذر، ولو كذب عليه المخبر في جنس الثمن، كان قال له: "إنه دراهم" فبان دنانير، أو في نوعه، كأن قال له: "إنه مصري" فبان إنكليزيًا، أو في قدره كان قال له: "إنه ألف" فبان خمسمائة، أو في حلوله كأن قال: إنه حال، فبان مؤجلًا، أو في قدر المبيع كأن قال: "باع كلَّ حصَّته" فبان أنه باع بعضها، أو عكسه، أو في أن المشتري زيد، فبان عمرًا، أو قال المشتري: "اشتريته لنفسي" فبان وكيلًا؛ أو في أن المشتري اثنان، فبان واحدًا، أو عكسه بأن قال: إن المشتري واحد، فبان اثنين، أو في قدر الأجل كان قال: باع بمؤجل إلى شهر فبان إلى شهرين، فعفا أو توانى قبل بيان ما ذكر، لم تبطل شفعته؛ لأنه تركه لغرض بان خلافه، ولم يتركه رغبة عنه. ولو أخبره أنه بألف، فترك، فبان بأكثر بطل حقّه؛ لأنه إذا لم يرغب فيه بالأقل فبالأكثر أولى، وكذا لو أخبره بمؤجل فعفا عنه، فبان حالًا؛ لأن عفوه يدل على عدم رغبته؛ لما مر أن له التأخير إلى الحلول. والحاصل أنه إذا أخبره بما هو الأنفع له فترك الأخذ بطل حقُّه، وإلا فلا.