ثانيًا: إن كان مرفوعًا، فلم لا يقولون فيه: قال رسول الله ﷺ؟. والجواب عن الأول: أننا لم نمنع الاحتمال، ولكن نقول: إنه الظاهر؛ فينصرف إليه ما لم تقم قرينة على غيره، أو يكون هناك بيان، وإذا قاله الصحابي في معرض الاحتجاج تعين الظاهر، وارتفع الاحتمال؛ إذ لا حجة في غير أمر الرسول ﷺ ونفيه وسنته، وأنس لم يقل ما قاله في مقام الاحتجاج، وحنظلة أراد رفع الاحتمال. ويؤيده ما رواه البخاري في صحيحه في حديث ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له: إن كنت تريد السنة فهجِّر بالصلاة: قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفعله رسول الله ﷺ؟ فقال: وهل يعنون بذلك إلا سنته. فهذا عبد الله بن عمر يحتج على الحجاج بقوله: إن كنت تريد السنة فهجِّر بالصلاة. فقد قاله في مقام الاحتجاج، فلما سأل ابن شهاب سالمًا: أفعله رسول الله ﷺ؟ فكان الجواب: وهل يعنون بذلك إلا سنته؟ وسكت ابن شهاب ولم يقل إن الاحتمال قائم. والجواب عن الثاني: أنهم تركوا الجزم بذلك تورعًا واحتياطًا. ويؤيد ذلك ما أخرجه الصحيحان عن أبي قلابة عن أنس: (من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعًا) قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبيّ ﷺ. يريد لو قلت لم أكذب؛ لأن قوله: من السنة - معناه الرفع، لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابي أولى. وقال الحنفية: إن قول الصحابة: من السنة كذا تعم سنة الخلفاء الراشدين. وحجتهم أن السنة لغة الطريقة، وعرفًا الطريقة الحسنة، ثم طريان النقل بتخصيصها بسنة الرسول لم يثبت، بل هو خلاف الأصل، فيبقى إطلاقهم على العرف العام. وأيدوه بقول أمير المؤمنين علي ﵁: (جلد النبي ﷺ أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة) رواه مسلم. والحل أن سنة الخلفاء لما لم تكن حجة عند غير الحنفية لم يحملوا لفظ السنة في معرض الحجة على سنة الخلفاء الراشدين، ولما كانت حجة عند الحنفية عمموا لفظ السنة حتى شملت سنة الخلفاء الراشدين. وهذا إذا لم تكن قرينة أو بيان كما علمت من قبل. ينظر: غيث المستغيث ١١ - ١٤. وينظر شرح القطب، المختصر (٢٧١/ أ). ينظر: إحكام الفصول (٣٨٦)، والمستصفى ١/ ١٢٩، والمحصول ٢/ ١/ ٦٣٧، وروضة الناظر ١/ ٢٣٧، وتيسير التحرير ٣/ ٦٩، وفواتح الرحموت ٢/ ١٦١، وإرشاد الفحول ٦٠.