للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشَّافعي في الأصول شديدة، وهو ابن بَجْدَتها، وملازم أَرُومتها، ثم قال: الذي لاح لي أن الشَّافعي لا يرد المراسيل، ولكن يبقى فيها مزيد تأكيد يغلب الظن.

قال: وقد عثرت من كلامه على أنه إذا لم يجد إلا المرسل مع الاقتران بالتَّعديل على الإجمال عمل به.

قال: [فكان] (١) إضرابه عن المَرَاسيل في حكم تقديم المَسَانيد عليها.

قلت: وهذا لا نعرفه عن الشَّافعي، والثابت عنه ردّ المراسيل رأسًا، وإنما هذا شيء ضعيف ذكره المَاوَردِيّ، وسنتكلّم عليه.

ولقد تباهى ابنُ السَّمْعاني في التَّغليظ على إمام الحرمين، وقال: أجمع كل من نقل عن الشَّافعي من العراقيين والخراسانيين؛ أنّ أصله ردّ المراسيل، وأنها لا تقبل بنفسها بحال.

وذكر الشَّيخ الإمام الوالد في "باب الرّبا"، من "شرح المهذب" بعد أن حكى هذه الأماكن التي ادّعى قوم أن المُرْسل يقبل فيها في الرد عليها ما هو بليغ، ولكنه [لم] (٢) يَنُحُ نحو المصنف، فإنه يدعي أن الشَّافعي لا يقبله رأسًا، فإذا رد على هذه الأماكن لم يكن رادًّا على الشافعي في زعمه.

وأنا سأحكي كلام الشَّيخ الإمام في الموضع المُنَاسب له، وذلك بعد مجادلة القاضي، فأقول: قبول المرسل إذا اعتضد بِمُسْند لا يعترض بما ذكر القَاضِي، فإنه غير وارد؛ لأن الاحتجاج إنما يكون بالمُسْند لو نهض بنفسه حُجّة.

ولعلّ الشافعي أراد بالمُسْند المنضمّ إلى المرسل مسندًا لا ينهض بنفسه حُجّة، وإذا ضمّ إلى المرسل قام المرسل حجة، وهذا ليس عملًا بالمسند، بل بالمرسل إذا زالت التُّهمة عنه؛ وهذا لأنه لم يرد المراسيل بالتَّشَهِّي، بل للتُّهمة.

فإذا زالت وجب قبوله، ولا يكون ذلك منه قبولًا لشيء من المراسيل؛ لأن المرسل بقيد انضمامه غير المُرْسل من حيث هو، والذي ردّه المرسل من حيث هو.

وقد اتّفق العلماء قاطبةً على أنَّ الحجيج لو وقفوا يوم العَاشِرِ غلطًا أجزأهم، واستندوا


(١) في ب: وكان.
(٢) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>