للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أحدهما: النَّفْسَاني، فاختلف المثبتون له في أن الأمر بالشيء هل هو نفس النهي عن ضدّه، أو يتضمّنه، أو ليس هو ولا يتضمّنه؟

وثانيهما: اللِّسَاني، وفيه مذهبان فقط.

أحدهما: أن الأمر يتضمّن النهي عن الضّد.

والثَّاني: أنه لا يتضمّنه.

ولا يتمكن أحد هنا من أن يقول: إنه هو، فإن صيغة "تَحَرَّك" غير "لا تَسْكن" قطعًا. والشيخ والقاضي لم يتكلّما إلا في النَّفسي، وذكرا اتِّصاف الشَّيء بكونه أمرًا ونهيًا بمثابة اتِّصاف الكون الواحد بكونه قريبًا من شيء، بعيدًا عن غيره والإمام في "المحصول" اختار أن الأمر بالشيء يتضمن النهى عن ضدّه.

وأظنّه لم يتكلّم إلَّا في اللِّساني، أو عبر بالصيغة.

وهو رأي جماهير الفقهاء.

والقاضي عبد الجَبَّار، وأبو الحُسَين، وغيرهما من المعتزلة اختاروه، وهم لا يتكلّمون إلا في اللِّسَاني؛ إذ الأمر عند المعتزلة العبارة فقط.

وهنا موقف أنا ذاكره فأقول: قد يقال: إن كان الكلام في النَّفْسَاني بالنسبة إلى الله - تعالى - والله - تعالى - عليم بكل شيء وكلامه واحد، وهو أمر ونهي وخبر واحد بالذات متعدّد بالمتعلقات، وحينئذ فَأَمْر الله - تعالى -[غير] (١) نَهْيه، فكيف يتجه؟ فيه خلاف.

وقد أشار الغزالي إلى هذا فقال: طلب القيام، هل هو بعينه طلب ترك القعود؟ وهذا لا يمكن فرضه في حق الله تَعَالى؟؛ فإن كلامه واحد، وهو أمر ونهي، ووعد ووعيد، فلا تتطرّق الغيرية إليه، فليفرض في المخلوق، وهو أن طلبه للحركة هل هو بعينه كراهة [للسكون] (٢) وطلب لتركه؟ انتهى.

وكذلك الأستاذ أبو نصر القُشَيْري، وقال: أما الأمر المخلوق؛ ففيه الخلافُ، وإن كان بالنسبة إلى المخلوق كما ذكر الغَزَالي وابن القُشَيري، فكيف يقال: إنه هو أو يتضمّنه مع احتمال ذهوله عن الضِّد مطلقًا؟


(١) في ب: عين.
(٢) في أ: للسكوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>