للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأنا أقول: ما ذكره الغَزَالي وابن القُشَيري غير معروف، ولنفصح [بسر] (١) القائلين بالنَّفسي، ثم نجيب عن هذا، فنقول: هو معنى عندهم ثابت في النفس، محسوس كالعلوم والقَدر، وقد علم أن العلم له تعلّق بمعلوم؛ كما أن القدرة لها تعلّق بمقدور، وكذلك الأمر الذي في النفس له تعلّق بمأمور به، [ويكون] (٢) العلم له متعلّقان متلازمان لا يصح أن يعلم أحد المعلومين دون الآخر، فكذلك الأمر النفسي يمكن أيضًا أن يكون للأمر به متعلّقان متلازمان: أحدهما: اقتضى الإيقاع، والثاني: النهي عن الكَفِّ.

فمن قال: الأمر بالشّيء فهي، أجراه مجرى العلم المتعلّق بمتعلّقين متلازمين؛ كـ "يمين" وشمال، وفوق وتحت، فإنه يستحيل عنده أن يعلم الفوق ويجهل التحت، كذلك يستحيل أن يتعلق الأمر النفسي باقتضاء فعل، ولا يتعلق بالنهي عن تركه، ومن قال: [لا] (٣) النهي، كما مال إليه القاضي آخرًا فهذا في تصور مذهبه إشكال.

وذكر إمام الحَرَمين (٤): أن هؤلاء لا يعنون بهذا الاقتضاء ما يعنونه المعتزلة، فإن الاقتضاء الَّذي ذهب إليه بعض المعتزلة راجع إلى فهم معنى من لفظ مُشْعِر.

وهذا لا يتأتى في كلام النفس، وإنما هؤلاء يعتقدون أن الأمر النفسي [يقارنه] (٥) نَهْي نفسي أيضًا، فيكون وجود هذا القول النَّفسي الذي هو اقتضاء القيام، ويعبر عنه بـ "قم" - يتضمّن وجود قول آخر في النفس يعبر عنه بقولك: لا تقعد، ويكون هذا القول الذي يعبر عنه بـ "قم" - يتضمن القول الثاني، ويقارنه حتى لا يوجد أبدًا منفردًا عنه.

ويجري ذلك مجرى الحياة والعلم، فإن العلم إذا وجد اقتضى وجود الحياة.

وقد اعترض ابن الأنباري بأن ذلك إنما يجري مجرى الجوهر والعرض؛ إذ لا يمكن انفصالهما لا مجرى الحياة والعلم؛ لجواز وجود أحدهما دون الآخر، وهذ ما لا يصير إليه القاضي بحال؛ لأن أحد قوليه: اتّحاد الطلب.

وثانيهما: التعدد مع التلازم عقلًا، فلا يصح الانفصال بوجه، فهذا يشبه افتقار الجَوْهر إلى العرض وبالعكس.


(١) في أ، ج: سر.
(٢) في ج: وكما أن.
(٣) سقط في أ، ب، ج.
(٤) ينظر: البرهان ١/ ٢٥١.
(٥) في أ، ب: مقارنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>