وقد قال المصنف في "المختصر الكبير": إن أراد - يعني عبد الجَبّار - أنه لا يمتنع أن يراد أمر بعده بمثله فمسلَّم، ويرجع النزاع في تسميته قضاء، وإن أراد أنه لا يدلّ على سقوطه فساقط.
قلت: ومع سقوطه لفظي أيضًا؛ لأن القضاء الموصوف بالاستدراك، لا خلاف أن الإتيان بالمأمور به على وجهه يدل على سقوطه؛ كما عرفت من كلام عبد الجَبَّار، وإنما الخلاف في القَضَاء، بمعنى أن فعل المأمور به على وجهه لا يمنع من الأمر بالقضاء، أي: من ورود أمر ثانٍ بمثل العبارة الأولى، ولا شَك أن هذا أمر ثانٍ [على ما عرفته، ولا خلاف في أن الإِتيان بالفعل الأول على نحو ما أمر به لا يدل على سقوط أمر ثانٍ](١) بمثله، فيرجع النِّزَاع حينئذ إلى تسميته قضاء على ما عرفت.
الشرح:"لنا: لو لم يستلزمه لم يعلم امتثال" أبدًا، واللازم منتفٍ قطعًا واتفاقًا.
وبيان المُلازمة: أنه حينئذ يجوز أَنْ يأتى بالمأمور به، ولا يسقط عنه، بل يجب عليه فعله مرة أخرى قضاء، وكذلك القضاء إذا فعله لم يسقط كذلك.
ولقائل أن يقول: أليس يعنون بالقضاء الذي لو لم يكن الإتيان بالمأمور به على وجهه مستلزمًا لإسقاطه لزم عدم الامتثال إن عنيتم به القضاء الذي يجب استدراكًا لما فَاتَ.
فنقول: بموجب الدَّليل، ولا يتناول مَحَلّ النزاع؛ لما عرفت في صَدْرِ المسألة.
وإن عنيتم به القضاء بمعنى أن الإتيان بالمأمور به على وجهه لا يمنع من ورود أمر ثانٍ متّصف بِصِفَةِ القضاء، فلا نسلّم الملازمة؛ لما مَرّ أنه حينئذٍ يكون ممتثلًا للأمر الأول - وقد صرح به عبد الجَبّار - كما نقلناه عنه.
أو نقول: ماذا نعني بالامتثال الذي ليس بمعلوم؟
إن عنيت امتثال الأمر الأول فالملازمةُ ممنوعة؛ لما مَرّ من تصريح عبد الجَبَّار بامتثاله، وليس محل النزاع.