. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولقائل أن يقول: تقدم الحَظْر لا يصلح معارضًا لحمل الصيغة على موضوعها؛ ولهذا يصح حمل الصيغة بعده على الوجوب.
وأيضًا لو كان معارضًا للزم التَّعَارض بين المقتضي والمانع والأصل عدمه.
قولكم: عرف الشرع.
قلنا: لا نسلّم، بل العرف مختلفٌ فيه شرعًا.
قال تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥].
وقال ﵇: "فَإِذَا أَدْبَرَتِ الحَيْضَةُ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" (١)، وأمثلته أيضًا تكثر.
وإذا اختلفت العادة وجب الرُّجوع إلى نفس اللفظ.
قال ابن السَّمعاني: ألا ترى أن لفظ الإيجاب كذلك، وهو قول القائل: "أوجبت"، أو "ألزمت"، لا فرق بين وروده ابتداء أو بعد حظر، كذلك لفظ الأمر.
"قالوا: لو كان" تقدّم الحَظْر "مانعًا" من ظهور الصِّيغة في الوجوب - "المنع من التصريح" بكونها للوجوب، واللازم منتف.
أما الملازمة فقياسًا للصريح على الظاهر.
وأمّا انتفاء اللَّازم فللإجماع على جَوَاز التَّصْريح بالوجوب بعد الحَظْر بأن يقول الشارع: كذا أفعل واجبًا، أويقول: افعل وأنا مزيدٌ بهذه الصِّيغة الوجوب.
وقرَّر الشارحون: جواز التَّصْريح بقول الشَارع مثلًا: أوجبت عليك، وقد قَدَّمنا نحوه عن ابن السَّمعاني.
وفيه نظر؛ لأن النزاع إنما هو في صيغة "افعل" التي مِنْ مواردها الإباحة مجازًا على المختار، وحقيقة عند قوم.
(١) أخرجه البخاري (١/ ٣٣١ - ٣٣٢) كتاب الوضوء: باب غسل الدم رقم (٢٢٨)، ومسلم - (١/ ٢٦٢) كتاب الحيض: باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (٦٢/ ٣٣٣) وأبو داود (١/ ٧٤) رقم (٢٨٢، ٢٨٣)، والترمذي (١/ ٢١٧ - ٢١٨) رقم (١٢٥).