(١) قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾. البيع عند الآذان للجمعة، والمعنى الذي من أجله توجه النهي ما قد يشتمل البيع عليه من الإخلال بالسعي إلى الجمعة الواجب، بأن يقفا في الطريق أو يقعدا فيه للبيع، وهذا الباعث مقارن منفك؛ إذ ربّما لا يحتمل السّعي بالبيع بعد الآذان بأن يتبايعا وهما يمشيان إلى الصلاة. ولا يفوتني أن أنبه هنا على مسألة هامة هي أن أكثر الكاتبين يرى أن النهي في هذه البيوع مختص بالحالة التي يتحقق فيها مثار النهي، وضربوا لذلك مثلًا: البيع وقت النداء، فقالوا: إن تبايعا واقفين أو قاعدين في الطريق وقت الأذان للجمعة توجه النهي وكره البيع؛ لتحقق الإخلال بالسعي الواجب، وإن تبايعا ذاهبين إلى الصلاة، أو قاعدين في المسجد فلا نهى ولا كراهة تحريم. وحقق بعضهم أن النهي في هذه البيوع عام يشمل الأحوال التي يتحقق فيها مثار النهي، والأحوال التي لا يتحقق فيها؛ لأن النصوص عامة ولا مخصص لها، فالنهي عن البيع عند النداء للجمعة عام يفيد حظر جميع البيوع التي تقع عنده، وإن كان سبب النهي الأمر المنفك، وهو الإخلال بالسّعي، فلا يجوز أن يقال: إنه إن حصل إخلال بالسعي: بأن تبايعا جالسين توجه النهي، وإلا فلا نهي، إذ يكون تخصيصًا بالرأي؛ وهو لا يجوز، فالإخلال بالسّعي المعتبر حكمة حقيقية للنهي لا يلزم حصوله في كل صور النهي؛ أو بالأحرى هو غير منضبط ولا ظاهر، فأقيم الوقت من أول النداء إلى الصلاة مقامه، فيكره كل بيع يقع مع النداء، كالسفر الذي جعل سببًا لرخصة الفطر والقصر في الصلاة، حصلت الحكمة الحقيقية وهي المشقة أو لم تحصل. (٢) اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: الأول: لا تجوز هذه الصلاة، ولا يسقط الطلب، بل هي محرمة. ذهب إلى هذا القول الجبّائي وابنه، وأحمد بن حنبل، وأهل الظاهر والزيدية، وقيل: إنه رواية عن مالك ﵃، وقالوا: إن هذه الصلاة غير صحيحة، ولا يسقط الطلب بها، ولا عندها. الثاني: للقاضي أبي بكر، وهو يوافق القول الأول في عدم صحتها، وعدم سقوط الطلب بها، ويخالفه بأن الطلب يسقط عندها، وإن لم تكن صحيحة. الثالث: لجمهور العلماء من الحنفية والشافعية والمالكية وغيرهم، وهو صحة هذه الصلاة، وسقوط الطلب بها، وصحة توجه الأمر والنهي معًا إليها باعتبار الجهتين، فهذا الفعل الذي قد =