وقال الكمال: بل ليس في الصلاة في مكان الغصب والصلاة المكروهة والصوم المكروه نهى مقطوع به، وإلا لما كان للاجتهاد فيه مساغ بصرف النهي عن ذات الصلاة والصوم، فمن حيث إنه امتثال الأمر والنهي باعتبار بعض جهاته بظن أنه ليس بمنهى مطلقًا، ومن حيث إنه فعل واحد متضمن لأمر منهى يظن كونها منهيًا مطلقًا، فلم يقطع بمنعه؛ فلا ينافي صحته. فالمانع من الصحة في الواحد الشخصي، ومن جواز الجمع بين الأمر والنهي فيه خصوص تضاد بين الأمر والنهي، بألا يكون فيه اختلاف جهة أصلًا، أو له جهاته ولكن قطع بالمنع عنه. وحاصل هذا: - بيان أن هذه المكروهات مما اتحد فيه متعلق الأمر والنهي، والاستدلال على بطلان التالي - أي على صحة هذه المكروهات بأنه لم يوجد ما ينافيها من اتحاد الجهة، أو القطع بالمنع من الفعل. لو لم تصح الصلاة في الأرض المغصوبة، لما سقط بها التكليف، والتالي باطل، فقد نقل القاضي الإجماع على سقوط التكليف؛ وبمنع بطلان التالي؛ بناء على منع صحة نقل الإجماع؛ قال إمام الحرمين: لو كان إجماع لعرفه أحمد بن حنبل؛ لأنه أعرف به من القاضي؛ إذ هو أقرب زمانًا من السلف، ولو عرفه ما خالفه، فاندفع قول الغزالي وغيره: الإجماع حجة على أحمد؛ إذ لم يصح عنده. واستدل القائلون ببطلان مثل الصلاة في الدار المغصوبة، وعدم سقوط التكليف بها ولا عندها، بثلاثة أدلة: - "الأول": لو صحت الصلاة في الأرض المغصوبة لاتحد متعلق الأمر والنهي، واتحاد المتعلق للأمر والنهي باطل، فبطل ملزومه، وهو صحة هذه الصلاة، فثبت بطلانها، وهو المطلوب. "وبيان الملازمة": أن الحركات والسكنات جزء الصلاة، وهي نفسها شغل ملك الغير، فهي غصب، لتكون منهيًا عنها، فلو كانت الصلاة صحيحة كانت مأمورًا بها أيضًا فيتحد المتعلق. وأما بطلان التالي فظاهر، ونوقش بأن بطلان التالي إنما يسلم أن لو كان المتعلق واحدًا ذاتًا وجهة، أما إذا كان له جهتان فنمنع بطلانه، وما معنا، وإن كان المأمور به والنهي عنه فيه فعلًا واحدًا، فهو بجهتين، فيؤمر به من جهة كونه صلاة، وينهى عنه من جهة كونه غصبًا. "الثاني": لو صحت هذه الصلاة لصح نية التقرب بالمعصية، ونية التقرب بالمعصية باطلة، فبطل الملزوم وهو صحة هذه الصلاة، وثبت المطلوب من بطلانها. "دليل الملازمة": أنه يشترط لصحة الصلاة نية التقرب بها إلى الله تعالى، وهذا الفعل معصية؛ إذ هو غصب وتعد، فلو صحت الصلاة لكانت نية التقرب بالمعصية جائزة، وأما بطلان التالي فمتفق عليه. =