"أحدهما": أن نية التقرب ليست شرطًا لصحة الصلاة، وإنما الشرط نية الفعل، المأمور به وإن لم يخطر بباله التقرب. "ثانيهما": سلّمنا أن نية التقرب شرطٌ، ولكن المكلف إنما ينوي التقرب بهذا الفعل من جهة كونه صلاة، ويعصى به من جهة كونه منهيًا عنه؛ لأنه غصب. وقد بان مما سبق انفصال الجهتين إحداهما عن الأخرى، فإن المصلى يجد من نفسه نية التقرب بالصلاة، وإن كان في أرض مغصوبة، ويعصى بهذا الفعل المخصوص؛ إذ لو سكن ولم يعمل شيئًا يكون غاصبًا، فهو يتقرب بفعل ليس هذا الفعل شرطًا لكونه غاصبًا. وبكل من هذين الوجهين يتبين أن صحة الصلاة لا تستلزم صحة نية التقرب بالمعصية، فالملازمة ممنوعة. "الثالث": لو صحت الصلاة المذكورة بناء على تعدد الجهة لصح صوم يوم العيد لتعدد الجهة أيضًا، فيكون مأمورًا به من حيث إنه صوم، ومنهيًا عنه من حيث وقوعه في يوم العيد، والتالي باطل بالاتفاق بيننا وبينكم. وقد انقسم الجمهور في مناقشة هذا الدليل إلى فريقين: - فغير الحنفية ناقشوه بمنع الملازمة، وذلك بإبداء الفرق بين الصوم والصلاة المذكورين من ثلاثة أوجه: - الوجه الأول: أن الصلاة في الأرض المغصوبة فيها جهتان بينهما عموم وخصوص وجهي تجتمعان باختيار المكلف جمعهما، بأن يصلي في هذا المكان، وتنفرد جهة الصلاة بأن يصلي في مكان مملوك، وتنفرد جهة الغصب بأن يمكث في هذا المكان بلا صلاة، فهما حقيقتان منفصلتان، فيؤمر بإحداهما، وينهي عن الأخرى، ولا يلزم من صحة هذه الصلاة وحالتها هذه صحة الصوم في العيد؛ إذ الجهتان فيه بينهما عموم مطلق، وجهة الأمر هي العامة، فتجتمعان في الصوم في العيد، وتنفرد جهة الصوم في صوم يوم آخر، ولا تنفرد جهة الوقوع في يوم العيد عن الصوم في يوم عيد، وجهة الوقوع فيه هي الجهة التي لأجلها توجه النهي عن الصوم عند الشافعية، ففي صوم يوم العيد لا يمكن التلبس بالمعصية بدون الصوم، فيكون الصوم نفسه معصية فيحرم لعينه، فيبطل، بخلاف الصلاة في الأرض المغصوبة، فإن التلبس بمعصية الغصب فيها يمكن بدون هذه الصلاة، بأن يمكث في المكان بلا صلاة، فلم تتعين الصلاة للمعصية، فلا تكون منهيًا عنها لعينها، بل لغيرها المقارن؛ فتصح. "الثاني": أن نهي التحريم ينصرف إلى الذات غالبًا، فيدل على البطلان للتدافع بين الحرمة=