"الثالث": أن منشأ المصلحة والمفسدة في الصلاة في المغصوبة متعدد، فإن منشأ المصلحة كون هذه الحركات والسكنات التي أداها عبادة وصلاة بها يطيع ربه ويظهر خضوعه وانقياده، ومنشأ المفسدة كونها غصبًا بها يعصي ربّه، فالكون عبادة، وهو منشأ المصلحة، والكون غصبًا، وهو منشأ المفسدة: أمران متعددان منفكَّان. بخلاف الصوم في العيد؛ فإن منشأ المصلحة والمفسدة واحد، وهو صوم اليوم المخصوص؛ إذ جهة الطاعة هي الصوم الخاص، وهذا الصوم الخاص بعينه منهى عنه؛ لأنه به يعصي. "وأجيب" عن هذا الوجه: بأنه لا فرق بين الصوم والصلاة، فإن منشأ المصلحة والمفسدة في الصلاة في مكان الغصب واحد، كما هو في الصوم في العيد؛ إذ الشغل للخير الذي هو الحركات والسكنات هو بعينه منشأ المصلحة؛ لأنه به يطيع، ومنشأ المفسدة؛ لأنه عين الغصب، فهو عاصٍ به. "وقد يدفع هذا الجواب" بأن هذه الحركات والسكنات ليست منشأ مصلحة ولا مفسدة من حيث ذاتها، بل منشأ المصلحة كونها صلاة يتقرب بها إليه تعالى، ومنشأ المفسدة كونها شغلًا لملك الغير بغير إذنه، بخلاف الصوم في يوم العيد، فإن منشأ المفسدة هو نفس الصوم في العيد؛ إذ لا يمكن مخالفة النهي بارتكاب المنهى عنه إلّا به، فتعين للمعصية. هذه المناقشات لدليل الخصم إنما هي من قبل غير الحنفية القائلين ببطلان صوم يوم العيد، فلا بد لهم من إبداء الفرق بينهما على نحو ما سلف تقريره، ومعهم الكمال بن الهمام من الحنفية؛ إذ يرى أن النهي عن العبادة يبطلها؛ لأنه ينفي ثمرتها. "أما الحنفية" فإنهم يقولون بصحة صوم يوم العيد، وما شابهه من كل ما كان النهي فيه متوجهًا للوصف اللازم، فلا فرق عندهم بين الصلاة في الأرض المغصوبة والصوم في العيد من حيث صحة كل منهما، فهما سيّان من حيث القاعدة الأصولية، وهي جواز اجتماع الأمر والنهي في الواحد الشخصي ذي الجهتين، وإن كانت الجهتان في الصلاة بينهما العموم والخصوص الوجهي، وفي الصوم بينهما العموم المطلق، على أن هذا الفرق من إمكان الانفكاك في الصلاة في الدار المغصوبة من الجانبين وعدمه في صوم يوم العيد أدّى عندهم إلى اختلاف في أحكام =