للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فأما خروجه عن كونه صومًا شرعيًّا، فليس لمعنى من قبله، لكن لعدم إطلاق الشرع ذلك، أو لعدم قبول الشَّرع إياه؛ لنهيه عنه.

فالصَّومُ لا يكون صومًا إلَّا بفعل العبد، فوجب النظر إلى فعل العبد، وصحَّ النهي لذلك، ولم يكن صومًا من حيث النَّظر إلى إطلاق الشَّرع أوامره، وليس غرض الخَصْم من كلامه إلا تحقق المنهى. فإذا تحقق المنهى بما قلناه حتى إذا ارتكبه صار عاصيًا، فهو حاصل بما يفعله العبد على وُسْعَةِ طاقته من النِّية والإمساك.

وأما كونه صحيحًا وفاسدًا فهو أمر متلقّى من الشرع، ليس إلى العبد.

إنما الذي للعبد إيقاع الفعل باختياره، فإن أوقعه على وفق أمر الشّرع صحَّ، وإلا فسد؛ ولذلك أبطلنا صوم اللَّيل مع تحقُّق الإمساك الجسمي، وإمساك المرأة عن المُفْطرات في زمن الحيض، فكل ما يوافق أمر الشرع لا تَثْبُت له الحقيقة الشرعية.

قال: ونقول أيضًا: ذكر الصوم والبيع وغير ذلك في النَّهي ليس لتحقيق هذه العقود، لكن التعريف ما يعمل فيه النَّهي من الإبطال الشرعي، فهو كالنَّهْي عن بيع الملاقيح والمضامين (١)


(١) الباطل من البيوع ما لم يشرع بأصله ولا بوصفه، والضابط فيه: أن كل ما أورث خللًا في ركنه أو حقيقته فهو مبطل له، وكذلك إن نافي حكم النهي حكمه أبطله، فعقد البيع على الميتة التي ماتت حتف أنفها، والدم والحر باطل، سواء أجعلت هذه الأشياء مبيعة بأن قوبلت بالدراهم والدنانير في البيع المطلق، أم جعلت مبيعة من وجه وثمنًا من وجه كما في بيع المقايضة؛ لأن مثار النهي عنها هو انتفاء حقيقة البيع من المبادلة المالية؛ إذ هذه الأشياء لا تعدّ مالًا.
وبيع ما في الأرحام من الأجنة، وبيع ما في الأصلاب من الماء، والبيع إلى نتاج النتاج باطل، وكانت بيوعًا يتعامل بها العرب الجاهليون، فنهى عنها النبيّ :
في الموطأ: عن سعيد بن المسيب أنه قال: "لا ربا في الحيوان، وإنما نهى عن الحيوان عن ثلاثة: عن المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة".
وفي الصحيحين والسّنن عن ابن عمر أن رسول الله "نهى عن بيع حبل الحبلة" وفسّر ببيع الجزور وتأخير ثمنه إلى أن تُنتَج النّاقة، ثم ينْتج الذي في بطنها.
وإنما كانت هذه البيوع باطلة؛ لأن مثار النهي فيها عدم المعقود عليه، فلم تتحقق حقيقة البيع من المبادلة الماليّة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>