للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنَا: أَنَّ الْعُمُومَ حَقِيقَةٌ فِي شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ، وَهُوَ فِي الْمَعَانِي كَعُمُومِ الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ؛ وَلِذَلِكَ قِيلَ: عَمَّ الْمَطَرُ وَالْخِصْبُ وَنَحْوُهُ.

وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ؛ لِشُمُولِهِ الْجُزْئِيَّاتِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: الْعَامُّ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنَ الشَّرِكَةِ.

الشرح: "لنا: أن العموم" لغة (١): "حقيقة في شمول أمر لمتعدد، وهو"، أي: هذا المعنى حاصل "في المعاني"، فكما صح في الألفاظ باعتبار شموله لمعانٍ متعددة بحسب الوضع، صح في المعاني باعتبار شمول معنى واحد لمعان متعددة بالحقيقة؛ "كعموم المطر والخِصْب.

ولذلك قيل: عم المطر والخِصْب" النَّاسَ، وعمهم العَدْل والعطاء "ونحوُه".

"وكذلك المعنى الكُلّي"، وهو: ما لا يمنع تصوره من وقوع الشّركة فيه؛ كالحيوان - عامٌّ؛ "لشموله الجزئيات" المتعددة؛ "ومن ثمّ"؛ أي: ومن أجل تحقق معنى العموم في الكلي قيل: العام ما لا يمنع تصوره من الشركة.


(١) العموم يطلق تارةً، ويراد به استغراق اللفظ لمسميانه، أي تناوله وإفادته إياها، وهذا بالطبع أمر سببه الوضع للفظ، إما شخصيًا أو نوعيًا، وظاهر أنه بهذا الإطلاق من عوارض الألفاظ خاصة، فالذي يوصف به على الحقيقة هو اللفظ، وإطلاقه على المعنى مجاز من إطلاق ما للدال على المدلول، وهذا هو مصطلح الأصوليين؛ لأن العام من الأدلة القولية، وقسم الخاص والمطلق عندهم. ويطلق تارة، ويراد به شمول أمر لمتعدد، فيوصف به إذًا كل من اللفظ والمعنى حقيقة. ويطلق تارةً ويراد به شمول مفهوم لمتعدد، حينئذ يختص بالمعنى، وهو مصطلح أهل الميزان، فإذا تقرر هذا يعلم أن الأشبه أن يكون الخلاف المشهور في كون العموم من عوارض الألفاظ خاصة، أو من عوارض الألفاظ والمعاني خلافًا لفظيًا، كما نقله التفتازاني عن بعض شراح "المختصر" بمعنى: أنه لو نظر كل من الطرفين إلى ما اعتقد الآخر، فقال بما قال به ذلك؛ لأن العموم بالمعنى الأول يقرر الطرف الأول من هذا الخلاف، وبالمعنى الثاني بالعكس، وإنكار ذلك مكابرة؛ ولتوضيح هذا نستعرض هنا صورة مجملة من كلام المثبت والنافي في هذا النزاع، فنقول: إن العلماء بعد اتفاقهم على اتصاف الألفاظ بالعموم حقيقة اختلفوا في اتصاف المعنى به أيضًا، فقيل بالاتصاف؛ وعليه يكون إطلاقه عليهما حقيقةً، وقيل: بعدمه، وعليه يكون إطلاقه على المعنى مجازًا، وقد أبعد جدًّا من قال: بعدم اتصاف المعنى به مطلقًا، فإنه كما لا يخفى لا حجر في المجاز. =

<<  <  ج: ص:  >  >>