للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لمذهب هذه الطَّائفة؛ فإِنه لما ذكر الدّماء الواجبة للترفُّه، وهو دم التقليم، وتَرْجِيل، الشّعر، والطِّيب، واللِّباس، والتغطية، جعل جميع ذلك مقدورًا في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ [سورة البقرة: الآية ١٩٦].

قال المَاوَرْدِيّ (١): التقدير عند الشَّافعي: فمن كان منكم مريضًا فتطيب أو لبس، أو أخذ من ظُفْره إِلى آخره، قال: وقال في "الإِملاء": إِن اللَّفظ لا يتضمنه.

قلت: فيكون للشَّافعي قولان في المسألة.

ولا يخفى أن الكلام إِنما هو حيث لم يتعين واحد من تلك المحتملات.

"أما إِذا تعين أحدها بدليل" يدلّ عليه "كان [كظهوره] (٢) "، فإِن كان عامًّا، فهو عامّ وإِلا فلا، فالصور إِذن ثلاث:

إِحداها: أن تتساوى الاحتمالات، ولا يظهر في واحد منها أنه أرجح من الآخر، فعندنا أنه مجمل؛ لأنا لا نقدر إِلا بقدر الضَّرورة، وهي تندفع بواحد، ولم يقم عليه أمارة، فيكون مجملًا وعند الخَصْمِ هو عام.

الثَّانية: أن يترجّح بعضها لا بدليل من خارج، بل لكونه أقرب إِلى الحقيقة مثلًا، مثل: "لا صِيَامَ لمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ".

فصحابنا يقدرون واحدًا، ثم يرتجحون تقدير ما كان أقرب إِلى نفي الحقيقة، وهو الجواز هنا مثلًا، والخَصْم يقدر الكل.

ثم إِمام الحرمين يقول هنا ما حاصله أنه لا ينبغي للخصم على بعد مذهبه أن يقدّر الكلّ إِلا إِذا لم يُنَافِ بعضها بعضًا، فإِن نافل وارتكب تقدير الكُلّ والحالة هذه، فقد أساء وأسرف وركب شَطَطًا، وهذا مثل "لا صِيَامَ"؛ فإِنّ تقدير الكمال ينافي تقدير الصّحة؛ إِذ نفي الكمال يفهم إِثبات الصحة، فلا يصحّ تقديره مع تقدير نفي الصِّحّة معه.

وقد وافق إِمام الحَرَمَيْنِ على هذا ابن السَّمْعَاني فقال:


(١) ينظر النكت والعيون ١/ ٢٥٤.
(٢) في ب: لظهوره.

<<  <  ج: ص:  >  >>